هل رياض سلامة هو المنظومة؟

هل رياض سلامة هو المنظومة؟

الكاتب: غسان حجار | المصدر: النهار
5 أيلول 2024

وقع رياض سلامة ولم يجد من ينقذه، أقلّه حتى الساعة. الدفاع عنه صعب، وليس هدفاً في ذاته. هو جزء من المنظومة المستحقة العقاب. يستأهل عقاباً بقدر مسؤوليته، لا أن يدفع أثماناً عن رزمة المرتكبين كاملة، ويستقيل الباقون من مسؤولياتهم، ويبيّضون صفحاتهم الوسخة ويرتاحون إلى مستقبل كل الثروات التي جنوها.

رياض سلامة جزء أساسي من المنظومة. لم يرتكب وحيداً. الطبقة السياسية غطّت كل ارتكاباته، بل شرّعتها له، ولم تسائله، لأنه كان يؤمن التمويل لكل مشاريعها وسمسراتها، وبالتالي يضمن استمرارها.

كان يمكن رياض سلامة بألاعيبه وأرانبه أن يؤجل الانهيار لسنتين أو ثلاث. يدرك قواعد اللعبة، ولولا ذلك لما أُعطي كل الجوائز العالمية. عرف أن ينقذ لبنان من براثن العقوبات والحصار زمناً طويلاً. لكنه كان كمعظم الموارنة طامحاً إلى رئاسة الجمهورية، فلم يتصدَّ لمجلس النواب تحديداً. هذا الأخير شرّع كل التجاوزات والهدر والسرقة. مجلس النواب في أقل تقدير، كان شاهد زور.

عدم دفع سندات اليوروبوندز، الذي عجّل في الانهيار وكشف لبنان مالياً، لم يكن من عنديات سلامة، ولا مشروع حكومة الرئيس حسان دياب، بل صنيعة مجموعة من المستشارين، في الداخل والخارج، أيدهم وزير المال آنذاك علي حسن خليل، الذي بشّر بالأمر مطلع سنة 2019، قبل عشرة أشهر من الانهيار، في حديث إعلامي تراجع عنه لاحقاً، وهو من أقنع الرئيس نبيه بري بصوابية الخطوة. ويذكر محضر اجتماع قصر بعبدا الشهير، لتثبيت القرار المتسرّع، كيف دفع الرئيس بري القرار قدماً، رغم معارضة شديدة له من بعض الحضور.

ما “سرقه” رياض سلامة (والحكم للقضاء) لا يشكل إلا النزر اليسير لديون تراكمت على الدولة، من جراء سرقات موصوفة لم تفتح ملفاتها، ولن تفتح، لأن معظم المشاركين في الحكم منذ الطائف إلى اليوم أفادوا منها، ولم يُسأل أحد “من أين لك هذا؟” محاكمة الرؤساء والوزراء معطلة. حتى تلك البيانات المالية التي يودعها المسؤولون المجلس الدستوري، شكلية ولا قيمة حقيقية لها.

يجب ألا يطلق رياض سلامة ليبقى حراً طليقاً أسوة بالآخرين، لأن في الأمر تغطية له وتجاوزاً لارتكاباته، ولكن بالتوازي، يجب أن يجرؤ قاض أو أكثر على فتح ملفات مقابلة ومرتبطة، وملاحقة أفراد وتجار أفادوا في شكل كبير، حتى بعد الانهيار، انطلاقا من الذين اشتروا عقود التأمين على اليوروبوندز في الخارج، وجنوا وفق بعض خبراء المال مئات ملايين الدولارات، مروراً بالذين أفادوا من أموال الدعم، ومن “صيرفة”، وخصوصاً الذين هرّبوا ودائعهم إلى الخارج، في حين مُنع الأمر عن سائر المودعين من الذين لا يملكون تغطية سياسية فاعلة.

حالياً المشهد غير مكتمل. رياض سلامة موقوف احتياطاً، وسيخضع للتحقيق. تجارب التحقيق السابقة غير مشجعة. ربما يؤدي التحقيق إلى تبرئته، أسوة بالآخرين. وقد تتدخل الضغوط السياسية، وكذلك القضائية (لمَ لا؟) لتخليته.

الشائعات تلاحق الملف، منها ما بدأ يروّج لـ “فلاش ميموري” خبأها سلامة في الخارج، تزلزل المعلومات المخزّنة فيها الأرض، (تحذير ضمني للمعنيين)، وأخرى تتحدث عن إمكان “انتحاره” أو قتله (تهديد ضمني له)، في محاولة للتأثير على مسار التحقيقات.

في المختصر، ليس رياض سلامة المنظومة، بل هو جزء منها، وقد تكون الأخيرة بتوقيفه، متواطئة مجددا، عليه كما كانت معه، للتخلص من حصار دولي أو عقوبات أو تحقيقات خارجية ملحّة تضمن لها إطالة العمر لمزيد من الارتكابات.