سلامة موقوفاً قيد التحقيق أي خلفيات أوجبت القرار

سلامة موقوفاً قيد التحقيق أي خلفيات أوجبت القرار

الكاتب: سابين عويس | المصدر: النهار
4 أيلول 2024

في خطوة فاجأت الوسط السياسي والمصرفي والقضائي، جاء قرار مدّعي عام التمييز، القاضي جمال حجّار، بتوقيف حاكم مصرف لبنان السابق رياض سلامة، ليطرح علامات استفهام حول الأبعاد والخلفيات والتوقيت الذي اوجب هذا التوقيف، وما إذا كان قرارا قضائيا صرفا فرضته المعطيات المتوافرة لدى القضاء، او ان ساعة رفع الغطاء السياسي عن سلامة قد دقت.

منذ تفجر ملف الاختلاسات في قضية “أوبتيموم” قبل اكثر من عام، على خلفية تورطها بعمليات مالية وهندسات ما بين ٢٠١٥ و٢٠١٨، بلغت قيمتها نحو ٨ مليارات دولار، هي كناية عن أعمال وساطات لبيع سندات وشهادات ايداع مملوكة من المصرف المركزي، والقضية تتفاعل قضائياً وسياسياً من دون ان تؤدي إلى اي نتيجة، في ظل رفض سلامة المثول للتحقيق معه، ما أدى إلى طي صفحته، بعدما أٌقحم في التجاذب السياسي على خلفية تولي القاضية غادة عون هذا الملف. ومع تسلم حاكم المركزي بالانابة وسيم منصوري مهماته، جرى تحويل ملف الشركة إلى مدعي عام التمييز القاضي جمال حجار الذي تولى التحقيقات بنفسه، رافضاً تحويله إلى أي قاضٍ آخر. وبالفعل، باشر حجار تحقيقاته، وكان اجتمع في أواخر تموز الماضي بأحد المسؤولين في المصرف المركزي طالباً تزويده بالمستندات التي يحتاج اليها . ومعلوم ان النيابة العامة كانت تحركت بموجب التدقيق الذي اجرته شركة “كرول” للاستشارات المالية، بتكليف منها، واستند التحقيق في هذه القضية على التدقيق في مدى ارتباط سلامة بعملياتها وتورطه فيها.

القضايا في حق سلامة تزايدت وتيرتها منذ انهيار العملة اللبنانية وتعثر القطاع المصرفي، علماً ان سلامة امتنع في غالبية الاحيان عن حضور جلسات الاستجواب في اكثر من قضية من تلك القضايا، ومنها تهم الإثراء غير المشروع، وتبييض الاموال وتملكه أصولا خارج لبنان. وكان سلامة يرد على تلك الاتهامات بأنها ترمي إلى تشويه صورته، كما قال في احد بياناته بأن “القاضي لا يمكن يكون خصماً وحكماً في آن”، معتبراً ان أسباباً سياسية تقف وراء تلك الدعاوى المرفوعة في حقه.
لم تتوقف الاتهامات في حق سلامة، الذي خرج من المصرف المركزي ليتوارى عن الأنظار، وسط توقعات بأن تسوية سياسية تغطيه، بعدما ترددت معلومات عن تهديدات قام بها سلامة لقوى سياسية متورطة بفضح ما لديه في صندوقه الأسود.
في آذار ٢٠٢٣، حضر سلامة إلى قصر العدل ليجيب على نحو ٢٠٠ سؤال في الاتهامات الموجهة اليه. أمضى يومين في تلك الاستجوابات وخرج منها من دون اتهامات، ما عزز الاعتقاد بأن الغطاء السياسي لا يزال يظلل رأس الحاكم السابق.
وربما على هذا الاساس، حضر أمس إلى قصر العدل، ليفاجأ بعد ثلاث ساعات من التحقيقات، كما الوسط القضائي، بإصدار القاضي حجار قراراً بتوقيف على ذمة التحقيق بشُبهة اختلاس أموال المصرف المركزي. علماً أنها المرة الاولى التي يمثل فيها سلامة أمام القضاء منذ انتهاء ولايته في 31 تموز 2023.

ومع نقله من قصر العدل إلى أحد مراكز التوقيف التابعة لقوى الأمن الداخلي، يبدو جلياً ان الحجار يتجه إلى الذهاب بهذا الملف إلى نهايته. وتكشف مصادر قضائية ان حجار لم يكن ليقوم بهذه الخطوة لو لم تكتمل لديه العناصر الجرمية والمستندات، فضلاً عن النتائج التي خلصت اليها التحقيقات مع سلامة وأجوبته على الاسئلة المطروحة عليه.

وبحسب ما نقل عن الحجار ان الخطوة القضائية التي اتخذها في حق سلامة هي احتجاز احترازي ومفاعيلها تمتد لأربعة ايام على ان يحال بعد ذلك من قبل محكمة استئناف بيروت إلى قاضي التحقيق الذي يستجوبه ويتخذ على اساس ذلك القرار القضائي المناسب في حقه. علماً انه من ضمن هذه الاجراءات اصدار مذكرة توقيف وجاهية.

وفي حين تحفظت الأوساط القضائية عن التعليق على الخطوة قبل تبيان المحطة الثانية منها،جاءت مواقف كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي ووزير العدل هنري خوري لتشدد على ترك القضاء يأخذ مجراه. اذ قال ميقاتي أنّ “توقيف سلامة قرار قضائي ولن نتدخل فيه. القضاء يقوم بواجبه وجميعنا تحت سقف القانون”، فيما صرح خوري: “القضاء قال كلمته ونحن نحترم قراره”.

ولكن السؤال ماذا بعد التوقيف الاحترازي، وهل ثمة قرار يتجاوز الحدود برفع الغطاء عن المنظومة السياسية التي غطاها سلامة فيسلك الملف طريقه نحو الادعاء، او ان اليد السياسية ستتدخل مجدداً لابعاده عن قضبان السجن تفادياً منها لتجرع كأس الاعتراف المرة؟