خاص – أيّ لبنان نريد بعد حرب غزّة؟

خاص – أيّ لبنان نريد بعد حرب غزّة؟

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24
3 أيلول 2024

لماذا استيقظ ملفّ الانتخابات الرئاسيّة فجأة، وعاد الحديث عن اجتماعات للجنة الخماسيّة، وعن مساعٍ سعودية فرنسية، علماً بأنّ شيئاً لم يتغيّر في واقع الحرب وانسداد الأفق السياسي؟ ولماذا ارتفع سقف الكلام الداخليّ حول ضرورة الحوار أو التشاور كشرط لا بدّ منه لانتخاب رئيس للبنان؟ وما سبب دعوة رئيس حزب القوّات اللبنانية سمير جعجع في هذا التوقيت بالذات إلى حوار للبحث في “أيّ لبنان نريد”؟

من البديهيّ أنّ المخرج للأزمة السياسية في لبنان صار مرتبطاً في شكل وثيق بالحرب في غزّة وبالتطوّرات المحتملة على الجبهة اللبنانية، على رغم محاولة البعض نفي أيّ علاقة بين الصراع الأقليمي ومصير الانتخابات الرئاسيّة اللبنانية. بل أكثر من ذلك، يعوّل كلّ من طرفي الصراع في لبنان على ما ستؤول إليه نتائج الحرب مع إسرائيل، لإحداث تغييرات داخلية في موازين القوى، تنعكس على الواقع السياسي وتركيبة الحكم.

وفي هذا الإطار يمكن قراءة كلمتي كلّ من رئيس مجلس النوّاب نبيه بري في ذكرى تغييب الإمام الصدر، ورئيس حزب القوّات في ذكرى شهداء المقاومة اللبنانية.

ويعتقد “حزب الله” أنّ في إمكانه، إذا خرج “منتصراً”، أن يجيّر ذلك لصالح المزيد من إحكام قبضته على لبنان، كما جرى بعد حرب تمّوز 2006. وهو ما زال يعوّل على تسوية ما مع إسرائيل في نهاية المطاف، تفرض تطبيق إجراءات معيّنة تحفظ أمن إسرائيل، في مقابل إطلاق يده في الملفّ اللبناني الداخلي. وما الردّ المضبوط على اغتيال فؤاد شكر إلّا دليل على إبقاء باب الحلّ الدبلوماسي مفتوحاً، على أساس أنّه يوفّر على الحزب المزيد من الخسائر، على عكس الحرب الواسعة التي ستكون خسائرها كبيرة جدّاً.

وفُهم من كلام برّي على ضرورة تطبيق القرار 1701 بحرفيّته، أنّه وجّه رسالة بالاستعداد للحلّ الدبلوماسي وفق ما تنصّ عليه بنود هذا القرار الدولي. وهي تطالب بكلّ وضوح بسحب أيّ سلاح أو وجود مسلّح إلى ما وراء خطّ الليطاني. وأرفق برّي ذلك بدعوة “الواهمين والمراهنين على متغيّرات يمكن أن تفرض نفسها تحت وطأة العدوان الإسرائيلي إلى أن يتّقوا الله”. ويرى مصدر نيابي أن تكرار رئيس المجلس الدعوة إلى “التشاور تحت سقف البرلمان وصولاً إلى رئيس لبناني جامع”، ما هو إلّا رسالة إلى من يعنيهم الأمر بأنّ مفاتيح باب المجلس في يد برّي، ولا شيء يجبره على فتحه، قبل أن يتمّ التوافق على رئيس بين الأطراف المعنيين.

وثمّة معلومات تقول إنّ تحريك الملفّ الرئاسي الآن، ربّما يكون الهدف منه تمرير انتخاب رئيس يناسب محور الممانعة، قبل أن تحدث تطوّرات لغير صالح هذا المحور.

وعلى المقلب الآخر، أتت كلمة رئيس حزب القوّات في قداس شهداء المقاومة اللبنانية قويّة الوقع، من حيث اعتباره أنّ “اليوم التالي للحرب يجب أن يكون يوماً لإعادة النظر في كلّ شيء، ما عدا حدود لبنان ووحدته”، والبحث في “أيّ لبنان نريد”، بما يعني الاستعداد للبحث في دستور جديد ونظام جديد، قد يقوم على نوع من أنواع اللّامركزية، والذي تَعتبر شريحة واسعة من المسيحيّين أن لا مخرج لمعضلة لبنان الطائفية إلّا عبر نظام مماثل، يطفئ هواجس المسيحيّين من تآكل دورهم في التركيبة اللبنانيّة، ويضمن عدم تكرار الحروب والصراعات كلّ بضع سنوات، فيما تُستعمل حرب الأرقام والديموغرافيا للقول للمسيحيين أنّهم لم يعودوا أكثريّة، وأنّ الدستور والتمثيل النيابي يجب أن يعكس الواقع العدديّ.

ولكن، علامَ يراهن جعجع عندما يدعو إلى البحث في تعديل النظام؟ وما الذي سيدفع الحزب إلى القبول بنظام لامركزيّ، فيما هو يطمح للسيطرة على كلّ البلد؟ هل يعتبر أنّ الحزب سيضعف بعد الحرب، أو أنّه سيتلبنن ويقتنع أنّ السلاح لا يحمي الشيعة، بل الدولة هي التي تحمي الجميع؟

في الواقع، فقد المسيحيّون إلى درجة كبيرة القدرة على التأثير في القرار. وهم لا يجدون طريقة للوقوف في وجه الحزب، الذي يقرّر عن الجميع ويفتح الحروب من دون أن يشاور أحداً. ولكن، إذا صدق التيّار الوطنيّ الحرّ في موقفه الرافض لإدخال لبنان في الحرب، فقد يصبح التأثير المسيحي أكبر في القرار، خصوصاً أنّ جبران باسيل سبق ولوّح مراراً بالفدرالية أو اللامركزيّة الماليّة.