رادار- على الأقل.. اصمتوا يا وقحين
وصل طريف الى منزل جاره ظريف ليعتذر عن عدم حضوره صباحًا وليسهر قليلًا عند جاره. ما أن دخل المنزل حتى وجد صديقه منهمكًا في التفتيش عن شيء ما على “التتخيتة”.
بعد إلقاء التحية والاعتذار عن التغيّب صباحًا لأسباب قاهرة، سأل طريف صديقه: عما تبحث يا صديقي، ولماذا يخيّم الظلام على المنزل؟
ضحك ظريف لشدّة قهره وأجاب: يا صديقي العزيز، السؤالان مرتبطان بعضهما البعض، وكذلك الإجابتان. يخيم الظلام على المنزل لأن شركة الكهرباء لم تنعم علينا بدقيقة واحدة منذ أطفأت معاملها لإنتاج الطاقة قبل يومين. كما أن مولّد الحي استغلّ الفرصة ليفرض على الفور نظام تقنين صارم تعلّمه من “كهرباء لبنان”. أما عما أنا باحث على “التتخيتة” فبكل بساطة عن سراج الكاز الذي كنا نستخدمه أيام الحرب لأن ثمن كيس الشمع الصغير تجاوز المئة ألف ليرة وهو بالكاد يكفي لليلة واحدة. علينا أن نتكيّف دائمًا مع الأوضاع المستجدّة ونجد حلولًا لمشاكلنا، وما أكثرها.
حزن طريف لحال صديقه وقال: لم أفهم يا صديقي سبب هذه المشكلة ولا توقيتها، ولم أفهم أيضًا كيف نستعد لحرب كبرى ونحن بلا كهرباء وبالتالي بلا ماء ولا اتصالات.. وفوق كل ذلك يهددنا العدو بإعادتنا الى العصر الحجري، فهل من عصر حجري أكثر مما نحن فيه؟
ابتسم ظريف مجدّدًا وأجاب: هذا مفهوم، ولكن ما لم أفهمه بالتحديد من هو المسؤول عن هذه الأزمة المتوقّعة. شركة الكهرباء تقول إنها أخطرت وزير الطاقة بقرب انتهاء مخزونها من الفيول، ووزير الطاقة يقول إنه أخطر رئيس الحكومة بالأمر مرات عدة، أما رئيس الحكومة فكلّف التفتيش المركزي بالتحقيق في الأمر. أين هي الحقيقة، ومن هو المسؤول؟
رد طريف والألم يعتصر قلبه: صديقي العزيز، في بلدنا لم يعد مهمًا من المسؤول عن الأزمة لأننا لم نرَ يومًا مسؤولًا يحاسَب على تقصير أو إهمال أو فساد. إلا أن ما يؤلمني فعلًا هو كمية الوعود الكاذبة والتصريحات التي لا تنتهي والمستمرة الى اليوم ممن يُفترض أنهم مسؤولون عن القطاع من دون أن نلمس ترجمة فعلية لهذه الأقوال. فلو كان الكلام يولّد الطاقة لكان لدينا كهرباء 25/24 ممن امتهنوا فن الكذب والنفاق والتبريرات التي تشبه العذر الذي هو أقبح من الذنب. والأدهى بعد، أن الوزير المختص يخاطب رئيس الحكومة بالمراسلة ولا يكلف نفسه حضور جلسات مجلس الوزراء لحل مشكلة بهذه الخطورة تهدد اقتصاد البلاد وأمنها في آن.
أثنى ظريف على كلام صديقه متوجهًا الى المسؤولين عن الأزمة بالقول: وإذا بليتم بالمعاصي فاستتروا. وفي هذه الحال نرجوكم أيها الوقحون أن توقفوا الكذب على الشعب وخداعه.. نرجوكم أن تصمتوا!