خاص- مسجد الأمين وكنيسة مار جرجس عوضًا عن المسجد الأقصى وكنيسة القيامة
بالنسبة الى لبنان، لم تعد الضربة الإيرانية لإسرائيل انتقامًا لاغتيال اسماعيل هنية مهمّة. لم يعد توقيتها أو حجمها أو أهدافها تعني لبنان بشيء. بالنسبة الى لبنان لم تعد أيضًا ضربة “حزب الله” لإسرائيل انتقامًا لاغتيال فؤاد شكر مهمّة، كما لم يعد توقيتها وحجمها وأهدافها ذات دلالات أساسية.
مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة أيضًا لم تعد تعني لبنان بشيء لأن وحدة الساحات في الحرب لا تعني وحدتها لوقف هذه الحرب، علمًا أن الجميع بات يعلم، بمن فيهم الأطراف المفاوضة، أن الحرب الإسرائيلية على غزة شارفت على نهايتها سواء بالحرب أو بالمفاوضات، وأن المسألة باتت مسألة وقت ليس إلا.
أمر واحد وحيد بات مهمًا الى حدّ استراتيجي وجودي بالنسبة الى لبنان، وتحديدًا بالنسبة إلى مكوّنات أساسية من شعبه: إنه اليوم التالي بعد وقف إطلاق النار على الحدود الجنوبية، سواء بالعودة الى القرار 1701 مفعّلًا أو بأية صيغة أخرى، وبالتالي ماذا سيكون موقع “حزب الله” ودوره في التركيبة السياسية اللبنانية.
من هذه الزاوية بالتحديد يمكن قراءة زيارة المبعوث الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين الى بيروت بما له من خبرة في هندسة الصفقات الناجحة لإسرائيل، وكذلك زيارة وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه الذي تقدّم بلاده العدد الأكبر من قوات حفظ السلام الدولية في الجنوب (اليونيفيل)، والتي سيكون لها بالتأكيد دور حاسم، إلى جانب الجيش اللبناني، في المحافظة على الهدوء على الحدود بعد وقف إطلاق النار والتسوية المنتظرة.
انطلاقًا مما تقدّم، لا بد من الإشارة الى أن من سارع الى الاستنتاج بأن كلمة الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله في أسبوع فؤاد شكر لم تحمل جديدًا قد أخطأ في القراءة والتحليل، لأن نصرالله أطلق في كلمته سلسلة مواقف استراتيجية في أكثر من اتجاه حملت رسائل الى من يعنيهم الأمر في الخارج والداخل لرسم خارطة طريق معيّنة من وجهة نظره للمرحلة المقبلة وما قد تحمله من تطوّرات.
وبغض النظر عن موضوع رد إيران وحلفائها على إسرائيل، يبقى أهمّ ما جاء في كلمة نصرالله موجّه الى الداخل: “أدعو الشعب اللبناني إلى أن يدرك حجم المخاطر القائمة، لا يزال هناك أناس لا تستوعب ما يحصل، لا يزالون غارقين في التفاصيل والزواريب والصراعات والحساسيات اللبنانية، الطائفية والحزبية وما شاكل..، لا يعرفون أنه اليوم يرسم مصير ومستقبل منطقة بالكامل، وبعض الناس في لبنان من يقول أنه في حال إنتصرت المقاومة هم خائفون، انا أقول لهم يجب أن تخافوا إذا إنتصرت إسرائيل وليس إذا إنتصرت المقاومة، إنتصرت المقاومة في عام 2000 ولم تشكل تهديدا لأحد، وسُئل في ذلك الحين: إلى من ستهدي المقاومة إنتصارها؟ أهدته إلى كل اللبنانيين. باالـ2006 كان يقال: “إذا إنتصرت المقاومة الله وأعلم ماذا سيحصل”، واليوم أيضا نفس الشيء، قلنا أن أي إنتصار للمقاومة على الكيان الصهيوني نحن لسنا في وارد توظيفه في الداخل السياسي.. لذلك من يؤيد فليؤيد، ومن لا يؤيد نحن لا نقول لهم: تعالوا وأيدوا وساندوا وقاتلوا ودافعوا، بل نقول لهم: في الحد الأدنى لا تطعنوا المقاومة في ظهرها، لا تشاركوا في الحرب النفسية التي يخوضها العدو على مجتمع المقاومة في لبنان وعلى بيئة المقاومة في لبنان، كما تفعل الآن بعض الفضائيات العربية واللبنانية، اليوم سلاح الاعلام مرعب ومخيف أكثر من حمل البندقية في وجه الناس.. كونوا فقط لديكم الحد الأدنى من الإنسانية والأخلاق والوطنية وأسكتوا”.
وبالرغم من أن كلام السيّد نصرالله متناقض ويفتقر الى الدقة في معظمه، إلا أن خلاصته واضحة: كونوا مع المقاومة أو اصمتوا. فكيف يمكن للمعارضة أن تصدّق أن الحزب لن يوظف حربه، سواء انتهت بانتصار أو انكسار، في الداخل، وهو لم يعد يتحمّل حتى أن تعطي الأحزاب والطوائف المعارضة له رأيها في حرب لا تريدها، وقد أثبتت الإحصاءات الموثوقة أن 90 بالمئة من الشعب اللبناني لا يريدون استمرار الحرب في الجنوب.
أما بالنسبة للأمثلة التي أعطاها السيد نصرالله، فقد أثبتت التطورات عدم دقتها: فبعد انسحاب إسرائيل عام 2000 من الجنوب الذي رأت فيه المقاومة انتصارًا لها، سيطر “حزب الله” بدعم وغطاء كاملين من الاحتلال السوري في حينه على جميع مفاصل الدولة حتى باتت إدارة البلاد تتم بالتنسيق المباشر بين عنجر والضاحية، وبغطاء من قصر بعبدا الذي كان بمثابة جناح في قصر المهاجرين.
الأمر نفسه حصل بعد حرب تموز 2006 عندما اعتبرت المقاومة انها انتصرت على إسرائيل مخلفة وراءها بلدًا مدمّرًا لم يكن لينهض من جديد لولا مسارعة الأشقاء العرب الى مساندته. إلا أن الحال بات مختلفًا بعد إرغام سوريا على سحب جيشها من لبنان مما اضطر “حزب الله” الى التكشير عن أنيابه في السابع من أيار 2008 ليقول بالمباشر “الأمر لي” ويتسلم الحكم بالقوة ومن دون مساعدة دمشق هذه المرّة.
في الحالتين تم استثمار “الانتصار” في الداخل إلى أقصى الحدود، حتى وصل الأمر بالحزب الى مطالبة أخصامه السياسيين بالسكوت، حتى قبل انتهاء الحرب ومعرفة نتائجها، وهو محق وصادق في هذا الأمر لأنه سيتم استثمار الحرب داخليًا مهما كانت نتائجها. فالقرار 1701 سينفذ في النهاية ليضع حدًا لحرب عبثية لن توصل أحد طرفيها الى مكان، والحزب سيتراجع “جريحًا” ليس فقط الى شمال الليطاني بل الى بيروت ليقبض في الداخل ثمن ما قدّمه الى الحدود. والخوف كل الخوف في هذه الحالة من أن يسعى “حزب الله” الى استبدال المسجد الأقصى بمسجد محمد الأمين، وكنيسة القيامة بكنيسة مار جرجس في وسط بيروت.
وحده وليد جنبلاط قرأ خطاب نصرالله جيدًا حتى قبل أن يلقيه الأخير.