خاص- التسوية وحدها تنقذ الحزب
منذ 13 نيسان، عندما قتلت إسرائيل فؤاد شكر في الضاحية واسماعيل هنيّة في طهران، وتوعّد الحزب وإيران بالردّ، تغيّرت قواعد اللعبة. وصارت الخيارات محصورة باثنين: إمّا انفجار حرب واسعة، أو القبول بالتسوية وفق الشروط الإسرائيلية.
أعدّ بنيامين نتنياهو كلّ العدّة لخوض حرب كبرى في لبنان، مع خطر توسّعها إلى حرب إقليمية. فقد جهّز الملاجئ، وأزاح المعارضين، واحتمى بالبوارج والمدمّرات والغوّاصات الأميركية التي احتشدت في المتوسّط. وصار مستعدّاً لدفع الثمن الذي ستكلّفه الحرب، في مقابل التخلّص من خطر “حزب الله” ولجم إيران، تماماً كما دفع ثمن عدم تحرير الرهائن لدى “حماس”، في مقابل القضاء على الحركة وشلّ إمكان قيامها بأيّ عمل عسكريّ. ولن يقدّم نتنياهو أيّ تنازل في السيطرة على القطاع والمعابر من أجل صفقة الأسرى. كما لن يقبل بأقلّ من انسحاب لعناصر الحزب إلى ما وراء الليطاني.
من هنا، تبدو الكرة في ملعب إيران والحزب للاختيار بين الحرب أوالتسوية. ولو أرادا الحرب، لما كانا تريّثا إلى الآن في الردّ على عمليّتي الاغتيال اللّتين نفّذتهما إسرائيل في الضاحية وطهران، بل لكانا سارعا إلى تنفيذ الردّ وتفجير الوضع. فهما يعرفان جيّداً أن أيّ انفجار واسع للصراع لن يكون في مصلحتهما.
وتجري في طهران والضاحية منذ 19 يوماً مناقشة خيارات الردّ الذي يحفظ ماء الوجه، من دون إشعال حرب. ولكن القرار يبدو صعباً، لأنّ إسرائيل تتربّص لاستغلال أيّ فرصة لتوسيع الحرب، بما يؤدّي إلى تدمير لبنان بمن فيه، ووضع القوّات الأميركية في مواجهة إيران.
ولكن، ما هي المعطيات والعوامل والمخاطر التي تأخذها إيران في عين الاعتبار، لتقرّر الاختيار بين الحرب أو التسوية؟
هي تحاول الفصل بين دخولها الحرب بنفسها، أو دفع الحزب وحده إلى خوض حرب على غرار العام 2006، من دون أن تتكبّد إيران أيّ تبعات. لكن، هذا السيناريو لم يعد نافعاً. فهي تورّطت أصلاً عندما أطلقت وابل الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل، في ردّها على استهداف قنصليّتها في دمشق. ولا يمكنها الآن التنصّل لأنّ نتنياهو وضعها في صلب المعركة، عندما استهدف هنيّة في العاصمة الإيرانية، وشدّد في كلمته أمام الكونغرس الأميركي على وجوب خوض المعركة مع الطرف الأساس، ألا وهو إيران.
وتدرس طهران بدقّة تبعات الحرب عليها وعلى “حزب لله”. فهذه الحرب ستستدرج واشنطن، وربّما الدول الغربية، للتدخّل. وأي عمليّات أو هجمات على نطاق واسع داخل إيران يمكن أن تهدّد النظام بذاته، الذي يلقى معارضة داخلية واسعة جرى إسكاتها مراراً. كما أن برنامجها النووي الذي أمضت سنوات في تطويره قد يذهب مع الريح، إذا ما تمّ استهدافه.
أمّا “حزب الله”، فله حساباته الخاصّة أيضاً. إذ إنّ أيّ حرب واسعة يخوضها، ستكون لها عواقب على موقعه في التركيبة الداخلية اللبنانية. فثمّة من يرى أنّ الفئات اللبنانية المناوئة لسياسة الحزب ولقراره دخول الحرب، قد تتّخذ إجراءات وتدابير لحماية مناطقها. ومعروف أنّ كثيرين ينادون بالفدراليّة في ظلّ استفراد الحزب بالقرار، وجرّ كلّ اللبنانيين إلى تحمّل تبعات حرب لا يريدونها. وهذا الوضع لن يكون في صالح الحزب الذي يسعى منذ سنوات إلى توسيع نفوذه على الداخل اللبناني. وهذا ما لا تريده إيران أيضاً التي تتمسّك ببقاء الحزب قويّاً.
في المقابل، يبقى خيار الدخول في مفاوضات للتوصّل إلى تسوية تُجنّب المنطقة التصعيد والدمار، خياراً جدّيّاً لدى إيران والحزب. ولكن للتسوية شروطها التي تحدّدها عادة موازين القوى بين الخاسر والرابح، أوحسب نسب الخسارة والربح.
وفي حالة التسوية المحتملة بين إسرائيل والحزب، لن يرضى نتنياهو بأقلّ من انسحاب إلى جنوب الليطاني مع ضمانات دوليّة. والسؤال: ما هي التنازلات التي يمكن للحزب أن يقدّمها؟ وهل سيحصل في المقابل على امتيازات معيّنة من جانب الولايات المتحدة؟
يفضّل الحزب الحل الدبلوماسي بالطبع. ولكنه يقيس الأثمان التي سيدفعها. وإذا كان خياره الأوّل هو استمرار المراوحة وحرب الاستنزاف واللعب على عامل الوقت، فإنّ هذا الخيار ربّما لن يكون متاحاً هذه المرّة، لأنّ نتنياهو يريد الحسم الآن قبل الانتخابات الأميركية.