أكثر فتكاً ولقاحاته نادرة: الفرق بين جدري القرود والدجاج
انتشار أسرع وأمراض أكثر
رئيس مركز أبحاث الأمراض الجرثومية في الجامعة الأميركية في بيروت، وعضو لجنة اللقاحات في منظمة الصحة العالمية لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا غسان دبيبو، أكد لـ”المدن” أن السلالة الجديدة من الفيروس أكثر انتشاراً من السابقة، وحدة مرضها مرتفعة أكثر. وهذا رأي رئيس قسم الأمراض الجرثومية والمعدية في مستشفى القديس جاورجيوس، والرئيس السابق للجنة التقنية للقاحات كورونا، عيد عازار أيضاً، الذي حذر من إمكانية العودة إلى الفوضى التي حصلت في لبنان خلال جائحة كورونا، إذا لم تتدارك وزارة الصحة نقط الضعف والخلل السابقة. لكن المختصان في الأمراض المعدية طمأنا أن وزارة الصحة أكدت عدم رصد أي حالة في لبنان من السلالة التي تنتشر حالياً، وأنهما لم يلحظا في الوسط الطبي والعلمي وجود أي حالة تستدعي القلق.
وشرح دبيبو وعازار لـ”المدن” أن الفيروس الذي ينتشر في افريقيا بشكل أساسي، وبشكل طفيف في بعض الدول حول العالم بات يصيب كل فئات المجتمع لا سيما أن طريقة الانتشار اختلفت عن السابق (موجة العام 2022) التي كانت محصورة تقريباً بين المثليين جنسياً.
من ناحيته نوه دبيبو بأن الفيروس الذي ينتشر حالياً هو سلالة جديدة من فيروس “مانكي بوكس”، الذي ترجم إلى العربية كجدري القرود. لكن تبين أن منشأ الفيروس ليس القرود بل القوارض وبالتالي يسمى علمياً Mpox. وهذا الفيروس هو ذاته الذي انتشر في العام 2022، لكن طرأت عليه طفرات، وبات هناك سلالات عدة، تختلف بين بعضها لناحية حدة المرض. والمتحور الذي ينتشر حالياً هو B1 يتميز بحدة مرض أكبر من السلالة التي انتشرت في العام 2022 والتي أصيب فيها ما يزيد عن عشرين ألف حالة في أوروبا.
التمييز بين أنواع الجدري
وشرح دبيبو أن الجدري هو من عائلات فيروسات اسمها “أكسينيا” التي اشتق منها كلمة “فاكسين” أي اللقاح، لكن تم القضاء عليه في السبعينيات. ففي السابق انتشر هذا الفيروس الذي يسمى “السمول بوكس”، لكنه لم يعد موجوداً بالطبيعة. بل هو موجود في المختبرات في روسيا وأميركا للاستخدام كسلاح بيولوجي. والفيروس الذي ينتشر حالياً يسمى “أم بوكس” وهو يختلف عن السابق لناحية الطفرات. لكن يجب التنبه إلى أن هذا الفيروس الذي يسمى جدري القرود، يختلف كثيرا عن جدري المياه التي تعرف بإسم “الفاريسيللا” أو “التشيكين بوكس” (جدري الدجاج). فهذا الأخير ما زال ينتشر بين الأطفال وله لقاحات وأدوية. ومن المفيد التمييز بينهما والتشخيص الدقيق، كي لا تحصل حالات هلع في المجتمع.
من جانبه حذر عازار من إن الإشكالية التي قد يعاني منها لبنان هي في كيفية التشخيص. بعض أعراض الفيروسات متشابهة لناحية ارتفاع درجة حرارة الجسم ولناحية طفح جلدي. وأي تشخيص خاطئ قد يؤدي إلى حالات هلع، ولبنان بغنى عنها في ظل الأوضاع الأمنية والمخاطر الحالية، وانكباب وزارة الصحة على خطة الطوارئ لمواجهة أي اعتداء إسرائيلي.
ندرة اللقاحات والعلاج
بدوره لفت دبيبو إلى أن اللقاحات المتوفرة حالياً تعود لفيروس “السمول بوكس”، الذي اختفى في السبعينات، لكنه فعال ضد فيروس “أم بوكس” المنتشر حالياً. بقيت تلك اللقاحات منذ ذلك الحين وصنعت تجنباً لحصول أي استخدام للجدري في الحروب. لكن المشكلة أن لدى منظمة الصحة مخزون بكميات قليلة، ما يستدعي اتخاذ قرارات مع الدول المعنية حول كيفية توزيع اللقاحات على فئات المجتمع.
وأضاف دبيبو أن أحد أسباب إعلان منظمة الصحة العالمية هذا الفيروس حالة طارئة هو توعية الدول حول العالم للاستعداد لاحتمال انتشار الفيروس، لا سيما أن طبيعة انتشاره اختلفت عن العام 2022. والسبب الثاني هو تحفيز الدول التي يوجد فيها إصابات للعمل بفعالية أكبر، والتجاوب مع توجيهات منظمة الصحة لتسهيل وصول اللقاحات للفئات الأكثر عرضة، وتأمين العلاج وأدوات التشخيص، بعيداً عن التعقيدات البيروقراطية التي تؤخر تطويق الوباء، ما يؤدي خطر الانتشار الواسع. وصحيح أن علاج تداعيات هذا الفيروس على الجسم تتم من خلال مضادات حيوية مختصة، لكن العلاج عير متوفر إلا بكميات قليلة، لدى منظمة الصحة العالمية وفي بعض الدول الغربية المتقدمة. وحالياً تسعى منظمة الصحة العالمية لتأمين العلاج للدول التي تشهد انتشاراً الوباء.
ويحذر المختصان بالأوبئة من أن عدد الحالات المعلن حالياً غير دقيق. فمقابل الحالات المصرح عنها يجب توقع أعداد مماثلة لا يصرح عنها. فثمة نظرة دونية لهذا الفيروس تدفع المصاب به إلى عدم الإعلان عنه. فالمصاب به يشعر بأنه منبوذ في المجتمع لأن الصيت عن الفيروس أنه ينتشر بالاحتكاك الجنسي، إذ انتشر سابقاً بين المثليين جنسياً ولا سيما الرجال. وبالتالي عدم دقة الأرقام تعتبر إحدى العوائق التي تساهم في عدم السيطرة على الوباء.
تدريبات للمستشفيات
ويشرح الخبيران بالأمراض المعدية أن أعراض الفيروس الأولية هي الألم في المفاصل والرأس وكافة أنحاء الجسم، وارتفاع درجة حرارة الجسم. لكن في المرحلة الثانية تبدأ البثور بالانتشار على الجلد في كل انحاء الجسم وتظهر على كفي اليدين والأرجل. لكن ما يطمئن أن انتشار العدوى لا تكون إلا من خلال الاحتكاك بالبثور، أو الاحتكاك المباشر مع المصاب. أي أنه لا ينتقل في الهواء وهذا يخفف من مخاطر سرعة الانتشار.
من جانبه لفت عازار إلى أنه في كل مستشفى في لبنان يوجد مسؤول عن الأوبئة وهو على تواصل مع وزارة الصحة. وأكدت الأخيرة أنه لا يوجد أي حالة في لبنان وأنها ستعقد لقاءات تدريب في المستشفيات حول كيفية التنسيق في المرحلة المقبلة.
ودعا عازار إلى ضرورة وجود مركز طوارئ للأمراض المعدية ووضع نظام تحذير مسبق حول كيفية إعلان حالة الطوارئ. وحذر من أنه في حال كثرت الحالات في لبنان ربما نعود ونعيش الفوضى التي كانت خلال كورونا. هذا فضلاً عن الجدل الذي قد يحصل حول اللقاح وإذا كان آمناً أم لا ومن يتم تلقيحه قبل غيره.