الجدلية العقيمة حول فتح المنازل أمام النازحين

الجدلية العقيمة حول فتح المنازل أمام النازحين

الكاتب: غسان حجار | المصدر: النهار
13 آب 2024

في مقابل الحراك الإقليمي المهم جداً، في وقت دقيق جداَ ويمكن أن يرسم متغيرات كبيرة تنعكس على بلدهم وحياتهم، ينشغل اللبنانيون في قضايا تقرب من التفاهة ويخوضون معارك لا تتجاوز حدودهم الصغيرة، ولا يعيرها العالم أي اهتمام، لأنها لا تؤثر في أي من المسارات.

آخر تلك الحروب، معارك حول إيواء النازحين، في العالم الافتراضي تحديداً، وتبادل التهم والتخوين. وهي أمور تظهر مدى تراجع الفكر والعقل والوعي، إذ بدل توحيد الجهود والرؤى لتوفير حلول لقضايا عالقة، يتم حشرها في الزوايا الطائفية المذهبية لإفراغها من كل مضمون إنساني ووطني.

وها هي مصادر قريبة من “حزب الله” ترسل ضمناً إلى رئيس “التيار الوطني الحر” رسائل غير مباشرة بأن “البلديات المحسوبة عليه لم تصدر بيانات ترحيب بالنازحين من الجنوب على غرار العام 2006″، وها آخرون يركزون على تعميم رئيس إحدى البلديات بالتدقيق في هويات النازحين وطالبي الإيجار، والتنسيق مع البلدية قبل إبرام أي اتفاق.

ثمة أفكار وطروحات ومخاوف مشروعة في هذا الملف يجب النظر إليها بواقعية، بعيداً من التحريض والإسفاف وخصوصاً التخوين، كما يجب استحضار تجارب في هذا المجال للدفع في اتجاه قراءة أكثر واقعية للتطورات الحاصلة.

أولا في الوقائع السلبية: لا بد من العودة إلى التاريخ لتبيان حقائق لم تتبدل. عندما تهجر مسيحيو الشوف وشرق صيدا في ثمانينيات القرن الماضي، إلى المناطق التي كانت مسماة “شرقية”، لجأوا إلى المدارس والمؤسسات وبعض الأديار، ولم تفتح لهم كل المنازل الفارغة من سكانها، على رغم مسيحية هؤلاء وأولئك.

وأذكر عندما هجّرت إسرائيل أهالي بلدة ميدون في البقاع الغربي زمن الثمانينيات إلى مشغرة، عمد “حزب الله” إلى مصادرة بيوت المسيحيين لإيوائهم، وحيّد البيوت الخالية من شاغليها الشيعة. وبالأمس تعرض نازحون شيعة من بلدة #عيتا الشعب الحدودية الشيعية لاعتداء من عناصر حزبية تابعة لـ”حزب الله” في بلدة طورا في قضاء صور.

الوقائع الإيجابية: بالأمس قرأت عبر منصة X تغريدة لطوني ع. (مسيحي) فيها: “أنا بفرنسا وعندي بيت في جل الديب، وبيساع عائلتين. أي عائلة جنوبية بحاجة تسكن فيه تتواصل معي. الجنوبيون أهلنا”.

وقبل يومين قرأت أيضا عبر فايسبوك لحسين وهبه (شيعي) يشكر وائل ضو (درزي)، وقد كتب الآتي: “كلام من القلب.
بينما كنت أتصفح عبر صفحات التواصل الاجتماعي عن استغلال بعض أهل الجبل للنازحين، أردت أن أكون منصفا ً مما لاقيته من استقبال وترحاب من أهلنا في جبل الشوف وتعاطيهم الراقي وحسن الضيافة… الاستغلاليون موجودون في كل مكان من الوطن وهم قلّة ولا يعبرون إلا عن جشعهم واستغلال الفرص. أريد أن أتكلم عن تجربتي الشخصية الحالية وبعض النازحين الذين التقيت بهم في منطقة دميت الشوف حيث نشعر وكأننا بين أهلنا وأحبابنا… وأخص بالشكر السيد وائل ضو (…)”.

لا يمكن البناء على تجارب محدودة فاشلة لتعميم الحالة وسيادة خطاب الكراهية بين اللبنانيين الذين صاروا متباعدين إلى حد كبير، علما أن ثمة مخاوف يجب أخذها في الاعتبار لأن ظروف عام 2006 تبدلت كثيرا. فالبحبوحة زالت بعد الانهيار المالي الكبير وضياع الودائع، وبالتالي ضعفت الإمكانات للاستقبال، أو لإعادة ترميم المنازل إذا لحق بها إهمال كبير، أضف الى ذلك خوف أهالي القرى من وفود مسؤولين حزبيين ضمناً إلى قراهم، وتحول منازلهم إلى دائرة الاستهداف، وهذا حق مشروع لهم، أن يضمنوا أمنهم وأمن عيالهم.