خاص – إسرائيل ترفض العودة إلى ما قبل 7 أكتوبر في لبنان
قبل السابع من تشرين الأوّل، كان الوضع في الجنوب مريحاً جداً بالنسبة إلى “حزب الله”. كان يخزّن السلاح والصواريخ، ويطوّر ترسانته، وينشر “قوات الرضوان” النخبوية على الحدود. لم يكن هناك ما يعكّر هذا الستاتيكو، إلى أن قرّرت حركة “حماس” شنّ هجومها على إسرائيل إنطلاقاً من غزّة، وقرّر الحزب المساندة من لبنان. ومنذ ذلك التاريخ، أي منذ عشرة أشهر، تصاعدت حرب المساندة، من دون أن تتحوّل حتى الآن إلى حرب إقليمية أو حرب واسعة على لبنان. ولكن منسوب الخطر ارتفع بعد استهداف إسرائيل لكلّ من فؤاد شكر في الضاحية واسماعيل هنيّة في طهران، وتوعّد الحزب وإيران بالردّ.
أعلن الحزب منذ اليوم الأوّل لدخوله على خطّ التقاصف مع إسرائيل، أنّ كلّ العمليّات ضدّ إسرائيل ستتوقّف فور انتهاء الحرب في القطاع. وربط بذلك نفسه ولبنان بمصير غزّة. وكان الموفد الأميركي آموس هوكشتاين عرض باكراً التوصّل إلى تسوية تنصّ تقريباً على تنفيذ القرار 1701 مع ضمانات. لكنّ الحزب بقي عند مبدأ ربط الجبهة في الجنوب بجبهة غزّة.
ولكن، وبعدما انتهت تقريباً المعارك العنيفة في القطاع، اتّجهت أنظار تل أبيب إلى الملفّ اللبناني. وفورعودة بنيامين نتنياهو من زيارته الأخيرة لواشنطن، نفّذ الضربتين الموجعتين في كلّ من ضاحية بيروت الجنوبية وطهران، ردّاً على هجوم الجولان، بهدف تصعيد الصراع، وصولاً إلى حرب كبرى يتورّط فيها الجميع. ولكن عدم حصول الردّ من جانب إيران والحزب حتى الآن، إضافة إلى كثافة الاتّصالات الدولية والإقليمية، منع الانزلاق إلى الحرب الواسعة.
ولكن الكوّة التي فتحت بتجديد الدعوة إلى التفاوض في موضوع وقف النار وتحرير الرهائن يبدو أنّها محكومة بالفشل. فما كان من نتنياهو، بعدما أعلن موافقته على إرسال الفريق الإسرائيلي المفاوض،إلّا أن أمر بشنّ الهجوم على مدرسة تأوي نازحين، ما أدى إلى مقتل حوالى 125 مدنياً، في مجزرة إثارت الرأي العام العالمي.
وحتّى لو كان هناك احتمال لأن يوقف الحزب حرب المساندة، إن تمّ فعلاً التوصل إلى اتفاق لوقف النار في غزّة، فإنّ ذلك لن يكون كافياً بالنسبة إلى إسرائيل، التي باتت تريد ضمان الأمن في شكل كافٍ على حدودها الشماليّة، بما لا يسمح بتكرار عمليّة مماثلة لعملية “طوفان الأقصى”.
ولم تعد الترسانة الصاروخية للحزب هي مصدر الخطر الأكبر على إسرائيل، إنّما الخوف هو من احتمال قيام الحزب بتوغّل برّي، وتنفيذ هجوم يشبه الهجوم الذي نفّذته “حماس” على غلاف غزّة. وقد كانت القوات الإسرائيلية تجري بالفعل قبل 7 تشرين تدريبات على مواجهة تسلل لعناصر الحزب إلى المستوطنات الإسرائيلية وقتل مدنيين واختطاف آخرين. ولكن ما انتظروه من الشمال أتى من الجنوب.
وتخشى إسرائيل أيضاً من وجود شبكة أنفاق بناها الحزب تصل إلى داخل الأراضي الإسرائيلية، على غرار شبكة أنفاق الحركة. لذا، ألغت وزارة التربية الإسرائيلية العام الدراسي المقبل في مستوطنات الشمال، استعداداً لحرب قد تطول. ويبدو نتنياهو عازماً على وضع حدّ لهذه المخاوف الأمنية لدى السكّان.
لذا، ثمّة من يتوقّع أن تشنّ إسرائيل ضربات قاسية متتالية ضدّ الحزب، حتى من دون انتظار الردّ. ولكن توسيع الحزب لنطاق ردوده أمس، في ما قال إنّه ردّ على استهداف قيادي في “حماس” في صيدا، قد يشكّل سبباً لتسعير الحرب. وفي أيّ حال، تواصل إسرائيل استهداف القياديين والمسؤولين العسكريين البارزين في الحزب. وهي تدفع الأمور في اتجاه الحرب، كي تبعد عناصر الحزب وسلاحه مسافة عشرة كيلومترات تقريبا عن الحدود.
ولكن، ثمّة من لا يزال يرى، على رغم التصعيد الكبير، احتمالات للتفاوض. فإذا كان الحزب وإيران يخشيان الحرب الكبيرة فعلاً، لن يكون أمامهما سوى القبول بالتفاوض. ولكن بشروط من؟