أميركا نصحت إسرائيل بعدم قصف بيروت فهل تستجيب؟

أميركا نصحت إسرائيل بعدم قصف بيروت فهل تستجيب؟

الكاتب: سركيس نعوم | المصدر: النهار
9 آب 2024

قبل نحو 11 يوماً استبعد مركز أبحاث أميركي جدي له قدرة على الحصول على المعلومات من مصادرها داخل الولايات المتحدة وحتى خارجها أن تشن إسرائيل عملية عسكرية برية واسعة على لبنان بعد مقتل 12 مواطناً سورياً درزياً في مجدل شمس الواقعة داخل الجولان المحتل بصاروخ أصاب ملعباً لكرة القدم فيها، وذلك بدافع الانتقام من “حزب الله” الذي اتهمته بإطلاق الصاروخ “القاتل”.

أحد أسباب الاستبعاد كان حض الولايات المتحدة ودول غربية أخرى إسرائيل على تجنّب استهداف مناطق مهمة وحسّاسة مثل العاصمة اللبنانية بيروت خشية أن يتسبّب ذلك بحرب واسعة بين الدولتين قابلة للتحوّل في سرعة حرباً إقليمية. لكن رغم التحذيرات المشار إليها وفّرت مأساة مجدل شمس الفرصة لإسرائيل لتكثيف استهداف البنية التحتية العسكرية لـ”حزب الله” ولتوسيع دائرة قصفها الجوي والمدفعي و”المسيّراتي” بحيث شمل ويشمل مدن النبطية وصور وصيدا في الجنوب ومدناً أخرى في البقاع.

يمكن أن تشمل الهجمات المذكورة مستودعات أسلحة “حزب الله” وذخيرته ومواقعه في سوريا. كما قد تستغل التصعيد الحاصل لقتل قادةٍ من “الحزب”. وقد فعلت ذلك قبل نحو 11 يوماً باستهداف القائد العسكري الميداني الأول فؤاد شكر في الضاحية الجنوبية للعاصمة بيروت. طبعاً يتوقّع المركز البحثي الأميركي نفسه رداً عسكرياً لـ”حزب الله” يستهدف مواقع عسكرية في شمال إسرائيل. لكن الاستهداف حصل وكان في إطار حرب الإسناد التي بدأها “حزب الله” في 8 أكتوبر الماضي ولا يزال يمارسها حتى الآن. أما الرد على قتل شكر فلم يُنفّذ بعد لأسباب عدة أبرزها اثنان.

الأول الحرص على إعداده جيداً كي يكون موجعاً جداً ورادعاً جداً لإسرائيل بحيث تعدّ للعشرة إذا ما فكّرت بالاستمرار في تنفيذ عمليات كهذه. أما الثاني فهو إقدام إسرائيل على قتل إسماعيل هنية رئيس المكتب السياسي لـ”حماس” في طهران وفي بيت ضيافة للسلطة الإيرانية بعد نحو ست ساعات أو أكثر بقليل من اغتيال شكر.

الدافع الى التريّث لم يكن التفكير في تأجيل الرد الانتقامي أو صرف النظر عنه لاعتبارات استراتيجية، بل كان ضرورة التنسيق بين قائد محور المقاومة وموحِّد ساحاتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية من أجل الاتفاق على الرد الذي سيقوم به كلٌ منهما وحجمه وأهدافه وتوقيته، وهل سيكون الردان متزامنين أم في موعدين مختلفين. لكن السؤال الذي يُطرح اليوم هو: ماذا سيكون رد إسرائيل على ردّي لبنان وإيران ومحور المقاومة الذي تقود على عمليتي قتل شكر ثم هنية؟
قبل الاغتيالين المذكورين كانت إسرائيل تقول لحلفائها وفي مقدمهم الولايات المتحدة وعبر الأقنية الديبلوماسية كما عبر الإعلام أحياناً إن هدف الرد هو إيذاء “حزب الله” من دون التسبّب بحرب واسعة رغم دعوات اليمين المتشدّد فيها الى اجتياح لبنان.

والآن لا يزال المركز البحثي القادر على الوصول الى المعلومات من مصادرها يستبعد الهجوم على العاصمة بيروت أو ضرب البنى التحتية المدنية مثل مطارها الدولي، إذ إن رد الفعل على ذلك سيكون استهداف المدن الرئيسية الإسرائيلية مثل تل أبيب وحيفا والقدس وحقول الغاز أيضاً. من شأن ذلك إطلاق حرب واسعة لا يعرف أحد كيف تتطوّر وإن كان محور المقاومة وأعضاء الساحة الواحدة وموحّدهم إيران سيتدخل في حرب كهذه.

أما هدف إسرائيل من توسيع حربها على لبنان و”حزب الله” فهو توجيه ضربة قاسية للثاني وإظهار عدم قدرته على حماية عاصمة بلاده ومرافقها الأساسية كما منطقته وأبنائها. من شأن ذلك طبعاً خرق خطوط حمر عدة وتهديد حياة اللبنانيين والإسرائيليين يومياً. في هذا المجال تؤكد المعلومات المتوافرة أن الولايات المتحدة حذّرت إسرائيل من استهداف بيروت لأنها تخرق بذلك “الخط الأحمر” لـ”الحزب” وتُشعل حرباً واسعة لا يعرف أحدٌ نهايتها وتدمّر مدناً إسرائيلية عدّة.

هل الهجوم على الجولان السوري المحتل من إسرائيل محتملٌ أو وارد؟ لا جواب جازماً عن هذا السؤال عند مصادر المعلومات والتحليلات نفسها. لكنها تؤكد أنه سيدفع إسرائيل الى التفكير بتنفيذ اختراقات برية في لبنان في الأشهر المقبلة وبذلك ترتفع أخطار نشوب حرب إقليمية واسعة. وجيش إسرائيل أنهى خططه العسكرية لعملية عبور الحدود اللبنانية الجنوبية، وهو ينتظر الأمر الحكومي لتنفيذها. لكن الحكومة تشعر بشيء من التردّد من جرّاء إخفاق حربها عام 2006 واضطرارها الى الاستقالة.

سبب الفشل كان عدم كفاية التأييد السياسي في الداخل والخارج وتعب جيشها المعتاد على الحروب الخاطفة. وفي الانتظار يبدو أن استمرار عدم احتمال حصول خرق ديبلوماسي بين “حزب الله” وإسرائيل يدفع الأول الى الانسحاب من المناطق الحدودية ويُنهي هجماته على إسرائيل. في هذه الأثناء ستستمر الأخيرة في استخدام مواردها والدعم الدولي لها لتنفيذ اختراقات عسكرية داخل لبنان للضغط على “الحزب” ودفعه الى الانسحاب بعيداً من الحدود مع إسرائيل.

لكن مركز البحث الأميركي القادر على الوصول الى مصادر المعلومات داخلاً وخارجاً يلفت الى الآتي: استمرار التدهور العسكري بين شمال إسرائيل و”حزب الله” قد يحفّز الأولى على التوصّل في سرعة الى وقف لإطلاق النار مع “حماس” في غزة والانطلاق لمواجهة مباشرة وقوية مع “حزب الله” في الشمال.