خاص- الحرب الكبرى رهن بردّ إيران والحزب
بلغ الترقّب والقلق الذروة، في انتظار الردّ المتوقّع على قيام إسرائيل باغتيال القائد في الحزب فؤاد شكر في الضاحية، واستهداف اسماعيل هنيّة في طهران، بالتوازي مع تكثيف الاتصالات الدولية والإقليمية في شكل غير مسبوق، في محاولة للجم حدود الردّ، تفادياً لانفجار الحرب الكبرى.
وتعيش إسرائيل أقصى درجات التحسّب، فيما رُفع مستوى الاستنفار العسكري والجهوزية، ووُضعت البلاد تحت إجراءات الحرب. لكنّ الردّ الذي توقّع مسؤولون أميركيون أن يتمّ فجر الإثنين لم يحصل في هذا التوقيت.
ربّما هي الحرب النفسية التي يمارسها “حزب الله” وإيران، من حيث تحديد الساعة الصفر للردّ، والحجم الذي سيتّخذه، فيما أُعلن عن كلمة للأمين العام حسن نصر الله الثلاثاء، ما زاد الحيرة في ترقّب اموعد لضربة قبل الكلمة أو بعدها، في ما يشكّل ارتفاعاً إضافياً لمستوى القلق.
ولكن السؤال الذي يطرحه الجميع هو: هل ستنفجر حرب إقليمية واسعة أم تظلّ التطوّرات العسكرية تحت سقف مضبوط؟
يبدو أكيداً أنّ رئيس الوزراء الإسرائيلي عاد من زيارته لواشنطن، وقد شرب حليب السباع. هو يريد إنهاء الوضع في لبنان قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية. وإذا لم يتمكّن من ذلك، سيسعى إلى فرض واقع جديد على الرئيس الأميركي المقبل أو الرئيسة المقبلة، بما يجعل الولايات المتحدة مضطرّة إلى التعامل مع هذا الواقع. وتُعتبر الأشهر الثلاثة المتبقيّة مفصلية بالنسبة إلى نتنياهو، خصوصاً أن الكنيست يدخل في عطلة، ولن يكون هناك من يحاسبه أو يطرح الثقة بحكومته.
الهدف الأساسي لنتنياهو اليوم هو محاولة توريط واشنطن مباشرة في الحرب، بما يجعل الرئيس المقبل أو الرئيسة المقبلة أمام واقع التعامل مع الملف الإيراني تحديداً، ومع الحزب في لبنان. ويستغلّ رئيس الوزراء الإسرائيلي الحالة الانتقالية التي يعيشها البيت الأبيض ليضرب ضربته. فالرئيس جو بايدن منسحب، وهو ليس في حالة ذهنية وجسدية مناسبة. وهذا يسمح لإسرائيل بركوب موج المغامرات الخطرة، خصوصاً أنّ نتنياهو لم يعد يعير أذناً مصغية إلى ما تريده الإدارة في الولايات المتحدة، ويضرب بنصائحها عرض الحائط.
وبات نتنياهو متيقّناً أنّ وجود أيّ من المرشّحين كامالا هاريس أو دونالد ترامب في البيت الأبيض العام المقبل، لن يسمح له بكثير من المناورة. لذا يبحث عن فرض أمر واقع على الرئيس الجديد منذ الآن. فهاريس أعلنت موقفها من موضوع غزّة ولبنان بوضوح. وترامب أيضاً ليس مستعدّاً لخوض حروب في الشرق الأوسط، على رغم كل الخدمات التي قدّمها لإسرائيل في عهده السابق.
وبسبب رفع نتنياهو لوتيرة الحرب بعد الهجوم على مجدل شمس في الجولان، اضطرّت واشنطن إلى استقدام تعزيزات إلى البحر المتوسّط، التزاماً منها بالدعم الأمني لإسرائيل والمساعدة في إسقاط الصواريخ والمسيّرات التي قد تُطلق في اتجاهها. وهي تحاول إبقاء تدخّلها في إطار الردع لا الهجوم.
ومن الواضح انّ نتنياهو يعمل للدفع في اتجاه توسيع الضربات واستدراج الردود والردود المضادّة. إذ من “المفهوم” أن يردّ على عملية الجولان باغتيال فؤاد شكر، الذي تزعم إسرائيل أنّه يقف وراء هذه العملية التي أدّت إلى مقتل 12 فتى وفتاة. ولكن اغتيال هنيّة في قلب طهران يهدف إلى توسيع نطاق الصراع وإيصال رسالة واضحة إلى إيران، مفادها أنّها لن تبقى في منأى عن تحمّل المسؤولية الأولى إزاء العمليات التي يقوم بها وكلاؤها، سواء في لبنان أو غزّة او اليمن. وهذا ما شدّد عليه نتنياهو في كلمته الأخيرة أمام الكونغرس.
في الواقع، تمكّنت إسرئيل من رمي الكرة في ملعبي إيران والحزب. فهي أحرجت الطرفين بضرورة الردّ بسبب حجم الاغتيالين اللذين استهدفا كلّاً من شكر وهنيّة في مكانين لهما رمزيتهما، في الضاحية الجنوبية لبيروت وفي العاصمة الإيرانية طهران. وإذا أتى الردّ قويّاً، فإنّ إسرائيل ستردّ بأقوى منه، ما يؤدّي إلى تدحرج الأمور نحو الحرب الواسعة.
فهل من مصلحة إيران والحزب الوصول إلى الحرب الكبرى؟
يعتقد محلّلون في مراكز أبحاث أميركية أنّ طهران تريد تفادي الحرب، على رغم حرصها الشديد على استعادة “كرامتها” التي انتُهكت جراء مقتل هنيّة وهو في ضيافتها. ويقرأون في كلام نصر الله الأخير حرصاً على التمتّع بالحكمة، مع أهمية الردّ في زمان ومكان مناسبين.
ومن شأن التعزيزات الأميركية التي وصلت إلى المنطقة أن تشكّل رادعاً لطهران، على غرار المرّة الماضية، عندما شاركت الولايات المتحدة وبريطانيا ودول في المنطقة في منع الصواريخ الإيرانية من الوصول إلى أهدافها. فقد نشرت واشنطن مدمّرات وطرّادات وعزّزت الدفاع الصاروخي الأرضي. كما ستنشر سرباً من الطائرات المقاتلة، وهناك حاملات طائرات قريبة يمكنها التدخل السريع.
ربّما تردع هذه التعزيزات إيران، خوفاً من حرب كبيرة. لكن من يردع نتنياهو الذي يبدو أنّه يريد التصعيد بأي ثمن؟