الحرب صارت أقرب وحسابات الربح والخسارة ازدادت تعقيداً

الحرب صارت أقرب وحسابات الربح والخسارة ازدادت تعقيداً

الكاتب: سمير تويني | المصدر: النهار
1 آب 2024

تشير التقارير إلى أن إسرائيل تبدو الآن أقرب من أي وقت إلى حرب على “حزب الله”، علما أن جيشها وافق منذ حزيران الماضي على خطط لشن هجوم شامل في جنوب لبنان، فيما أعرب الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصرالله عن استعداده لتوسيع الهجمات الصاروخية على نطاق واسع داخل إسرائيل.

ورغم ذلك، فإن حربا شاملة من شأنها أن تتجاوز كثيرا عواقب الصراع الحالي في غزة، وستحدث اضطرابات في منطقة الشرق الأوسط تزعزع الاستقرار، مع دخول الولايات المتحدة آخر مراحل السباق الرئاسي.

وفي هذا السياق يسجّل تعويل دولي على إنهاء مثل هذه الحرب سريعا من خلال تحقيق وقف شامل لإطلاق النار، من دون تسجيل أي انتصار لأحد الطرفين.
هذه الحرب وخيمة على إسرائيل رغم نجاح القبة الحديدية في اعتراض عدد كبير من الصواريخ المنطلقة من لبنان واليمن وإيران. فمخزون الحزب من الصواريخ يفوق مخزون منظمة “حماس”، ويتضمن أسلحة أكثر تطورا يمكنها أن تصيب كل نقطة داخل إسرائيل.

والحال أن الحروب السابقة التي خاضتها إسرائيل ضد الحزب لم تكن حاسمة، وسيشكل هذا الصراع تحديا يتجاوز ما شهدته من حروب في تاريخها. لذلك مارس الطرفان ضبط النفس، إلى أن نفذت إسرائيل هجومها على الضاحية الجنوبية مساء الثلثاء الماضي.

ولكن حتى لو تمكنت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن من التوصل إلى اتفاق يتضمن انسحاب “حزب الله” من الحدود اللبنانية – الإسرائيلية، فإن السلطات الإسرائيلية تجد صعوبة في عدم الاستجابة لمطالب المستوطنين في الشمال الذين يعولون على التعامل مع الحزب في شكل جذري لتأمين سلامتهم. وفي حال استسلام هذه السلطات لهذا الطلب من دون استراتيجية للحد من الحرب، ستكون النتائج مدمرة نظرا إلى وحدة جبهات المقاومة ضد إسرائيل، وخصوصا الآن، بعد اغتيال إسماعيل هنية في قلب طهران.

ولو كان الأمر بيد القيادة العسكرية الإسرائيلية لربما كانت شنت حربا بالتزامن مع الغزو الإسرائيلي لغزة، لكن بايدن كان ألقى خطابا مهما في العاشر من تشرين الأول الماضي، واعدا إسرائيل بمساعدات عسكرية، وأرسل حاملتي طائرات إلى المنطقة للدفاع عنها، وحذر إيران من أي تدخل في لبنان.

واعتبر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو أن التحذير موجّه أيضا إليه، فلم يوافق على عملية عسكرية كبرى ضد لبنان كان يطالب بها وزير الدفاع والقيادة العسكرية الإسرائيلية، وكان يشكك أيضا في قدرة الجيش الإسرائيلي على خوض حرب على جبهات متعددة. وفي تطور الحرب على غزة، مارست إسرائيل قدرا من ضبط النفس، لكنها صعّدت من خلال الاغتيالات لقادة المقاومة، وقصفت قوافل أسلحة الحزب ومستودعاته، فيما زادت في المقابل هجمات الحزب الصاروخية.

أما بالنسبة إلى تطبيق مندرجات القرار الدولي ١٧٠١ فكان يفترض أن يبقى الحزب خارج المنطقة جنوب الليطاني، على أن يتسلمها الجيش والقوة الدولية، لكن الحزب فرض سيطرته عسكريا على الحدود مع إسرائيل. فالمطلب الإسرائيلي الأكثر إلحاحا هو أن تبقى وحدات الحزب و”قوات الرضوان” النخبوية شمال نهر الليطاني، فيما الحزب يطالب مقابل وقف النار بالعودة إلى ما قبل السابع من تشرين الأول، أي السماح لقواته بالبقاء في مراكزها جنوب الليطاني.

حتى الآن، وفي ظل الواقع العسكري، من الصعب تصور اتفاق مستدام وطويل الأجل قادر على الاستجابة لمخاوف إسرائيل من انتشار الحزب في المنطقة الحدودية وتهديده المستعمرات بالصواريخ.

وحتى لو وافق الحزب على الانسحاب من الحدود، يرجّح ألا يبقى بعيدا منها دائما، ولا يمكن أي لاعب خارجي فرض هذا الانسحاب لطمأنة المستوطنين شمال إسرائيل، وسيضطر الجيش هناك إلى نشر قوات عسكرية على نحو دائم.

والواقع أن الحزب كان يريد تجنب حرب شاملة، لكن التصعيد صار أكثر ترجيحا بعد استهداف القائد العسكري في الحزب فؤاد شكر.
وإذا انجرّت إسرائيل إلى حرب شاملة فسيفضل جيشها الصراع من دون مواجهة، معتمدا في ذلك على تفوقه الجوي وقدراته على توجيه الضربات الجراحية الدقيقة.

وفي سياق مواصلة الحرب في غزة، فإن أي قرار بالهجوم على لبنان سيأخذ في الاعتبار القوة البشرية المحدودة المتاحة لإسرائيل بعد أكثر من تسعة أشهر من القتال. وسيكون التحدي في لبنان مختلفا عنه في غزة، لأن الحزب أكثر تطورا عسكريا من “حماس”، وإسرائيل تأخذ في الاعتبار المخاطر التي قد تتعرض لها جبهتها الداخلية.

لن يجدي تكثيف الضغوط العسكرية، وإسرائيل ليس في استطاعتها أن تملي على الحزب متى تتوقف الحرب. وتحاول استعادة الردع من خلال تصعيد الهجمات، لكن الطرفين يدركان مدى الدمار الذي قد تخلفه حرب شاملة لن تكون قصيرة الأمد. ومن المرجح أن تنتهي هذه الحرب بنهاية مرضية للأطراف، لأن الحل العسكري لن يوفر الضمانات المطلوبة أو الأهداف المعلنة.