نتنياهو ينافس إيران على “الرّئاسة” الأميركيّة

نتنياهو ينافس إيران على “الرّئاسة” الأميركيّة

الكاتب: وليد شقير | المصدر: اساس ميديا
27 تموز 2024

واجه بنيامين نتنياهو معارضيه في الداخل من واشنطن، من خلال استعراض مهاراته بمخاطبة العقل الأميركي في كلمته أمام الكونغرس الأربعاء. لذلك تعرّض خطابه للانتقاد والسخرية في إسرائيل نفسها، قبل انتهاء إلقائه. استفاد من إرسال إيران عبر الحوثيين مسيّرات إلى قلب تل أبيب، لتفجيرها بأهداف عشوائية، أو للاستطلاع كما فعل الحزب. قلب الحقائق حول غزة ليصوّب على إيران، التي تفاوض واشنطن تحت مظلّة التوتير بقصف ميليشياتها قاعدة عين الأسد العراقية. تجاوز المشهد مواصلة المجازر ضدّ المدنيين الفلسطينيين، وسط التنافس الإسرائيلي الإيراني على الإفادة من الاضطراب الأميركي خلال الحملات الانتخابية الرئاسية. 

  

بقدر نجاحه في ضرب الرقم القياسي في التصفيق له وقوفاً في الكونغرس، أثار نتنياهو عاصفة انتقادات من عتاة الديمقراطيين الأميركيين. حسب البعض عدد المرّات التي حصد فيها التصفيق 55 مرّة خلال الـ55 دقيقة التي استغرقها خطابه. وبالغ البعض الآخر في التعداد قائلاً إنّها 81 مرّة. في المقابل لم يكن تفصيلاً غياب زهاء 85 من أعضاء مجلسَي النواب والشيوخ الديمقراطيين عن الجلسة. في طليعتهم نائبة الرئيس كامالا هاريس ونانسي بيلوسي رئيسة مجلس النواب السابقة وغيرهما. بيرني ساندرز وصفه بمجرم حرب وكاذب. أمّا زعيم الديمقراطيين في مجلس الشيوخ تشاك شومر وغيره فلم يصافحوا نتنياهو ولم يصفّقوا له، وهاجموا خطابه.

ما تجنّبه نتنياهو في استعراضه المسرحيّ

أراد من التلاعب الاستعراضي والمسرحي بالوقائع تهشيم طلب إصدار مذكّرة توقيف بحقّه في المحكمة الجنائية الدولية. تجنّب نتنياهو أمرين:

– ذكر الرهائن الإسرائيليين المحتجزين في غزة، ومشروع الصفقة الذي تسعى إليه واشنطن مع الوسطاء. فهو ناقشه لاحقاً مع الرئيس جو بايدن وهاريس، وسط اقتناع في إسرائيل بأنّ الإفراج عنهم آخر همومه. فنتنياهو لا يريد الالتزام بإنهاء هذا الملفّ لأنّه سيقود منطقياً إلى البحث الجدّي في إنهاء الحرب، التي أعلن أنّها ستستمرّ.

– خلافاً لتسخيفه قرارات المحكمة الجنائية الدولية، لم يتطرّق إلى قرار محكمة العدل الدولية الأخير في 19 تموز (رأيها الاستشاري). فهي اعتبرت “استمرار وجود إسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلّة غير قانوني”، وأنّها ملزمة بإنهاء وجودها فيها بأسرع وقت ممكن. ورأت أنّ “سياسات إسرائيل الاستيطانية تنتهك القانون الدولي، وتعدّ ضمّاً دائماً”. الفارق في حسابات نتنياهو أنّ الولايات المتحدة ليست عضواً في الجنائية الدولية، بل تقف ضدّها، بينما هي عضو في محكمة العدل. وفي هيئتها قاضية أميركية صوّتت مع القرار الأخير. واكتفت واشنطن بانتقاد القرار ضدّ إسرائيل بحجّة أنّه “سيعقّد الجهود المبذولة لحلّ الصراع”. لكنّها ذكّرت بأنّ المستوطنات “تتعارض مع القانون الدولي”.

بتجاهله محكمة العدل تجنّب نتنياهو موضوعاً خلافيّاً جوهرياً مع واشنطن حول لاقانونيّة الاستيطان. وعلى الرغم من رخاوة الموقف الأميركي حيال الخطط الاستيطانية فإنّ نتنياهو تفادى تسليم الديمقراطيين الليبراليين الرافضين لهذه الخطط حجّة لمواصلة حملتهم عليه. وكامالا هاريس التي تمسّكت بالقانون الدولي في شأن غزة، قد تكون أكثر وضوحاً في تأييد القرار. كما أنّه تفادى المزيد من الخلافات مع الاتحاد الأوروبي. فمسؤول السياسة الخارجية فيه جوزيبي بوريل أيّد قرار محكمة لاهاي، ودعا إلى تنفيذه.

إغواء واشنطن… بمواجهة إيران؟

استدار نتنياهو نحو إيران التي بات الموقف منها جزءاً أساسياً من الحملات الانتخابية الرئاسية. فمع علمه بأنّ ربط الحرب بأجندة إيران الإقليمية يلقى صدى أميركياً واسعاً، فهو يرسمل على تشدّد صديقه دونالد ترامب حيال طهران. وسعى إلى الإفادة من ذلك على الرغم من إدراكه المسبق بأنّ إدارة جو بايدن تفضّل التفاوض مع طهران لخفض التوتّر الذي تساهم فيه على سائر الجبهات. وهذه الاستدارة، التي تحجب السجال على الارتكابات الإسرائيلية في غزة، المرشّحة للاستمرار، تعود لأسباب ومستجدّات ظرفية وأخرى بعيدة المدى، منها:

1- يقول دبلوماسي أجنبي إنّ قصف الحوثيين تل أبيب بمسيّرة رسالة إيرانية قويّة توحي بما يشبه تغيير قواعد اللعبة (game changer). كما أنّ الردّ الإسرائيلي الموجع بقصف ميناء الحديدة ومستودعات النفط فيه لا يقلّ أهمّية عن استعداد نتنياهو لتغيير هذه القواعد.

نتنياهو

2- يفهم الدبلوماسي الرسالة كالآتي: إذا كان الحوثيون يستطيعون القيام بذلك، من على بعد زهاء 1,800 كيلومتر، فكيف سيكون الأمر مع الحزب الأكثر تجهيزاً عدّة وعدداً، وعلى بُعدِ بضعة كيلومترات من الحدود؟

3- نتنياهو استفاد من حملة اللوبي الإسرائيلي ولدى أوساط في الجمهوريين تتّهم إيران بتمويل تظاهرات الجامعات الأميركية ضدّ إسرائيل. قضت تلك الحملة، ثمّ وصْف نتنياهو المتظاهرين الأميركيين ضدّه بأنّهم “أغبياء وحمقى” يخدمون إيران، أن يؤكّد البيت الأبيض التهمة. إذ أجاب مسؤول الاتصالات في مجلس الأمن القومي جون كيربي على سؤال يوم الخميس بالقول إنّ “إيران تموّل وتشجّع بعض التظاهرات في الولايات المتحدة الأميركية وليس كلّها”. وسبق لمديرة المخابرات الوطنية أفريل هاينز أن قالت إنّ “أشخاصاً على صلة بحكومة إيران سعوا إلى الحثّ على احتجاجات تتعلّق بغزة وقدّموا للمحتجّين دعماً ماليّاً”.

تسريع الحصول على السّلاح

4- مقابل الضغط من بايدن لأجل تسهيل اتّفاق وقف الحرب وإبرام صفقة التبادل، وفّرت سردية نتنياهو حول مواجهة إسرائيل لإيران حججاً عدّة. أولاها قوله: “أعطونا السلاح بسرعة لننتصر بسرعة”. فإسرائيل باتت تحتاج إلى المزيد من الذخائر الثقيلة حتى في غزة، فكيف الأمر في مواجهة الحوثيين والميليشيات العراقية والحزب على الجبهة الشمالية؟ ولهذه الحاجة وظيفة ردعيّة حتى لو اضطرّ نتنياهو إلى الانصياع لضغوط خفض التصعيد. ذهب إلى حدّ القول للكونغرس: “عندما نقاتل إيران، نحن لا نحمي أنفسنا فقط. نحن نحميكم”. بذلك يذكّر بأنّه يمارس دور الشرطي الأمين للنفوذ الأميركي ويوحي بالتماهي مع مصالح الدولة الأميركية.

5- على الرغم من إشادته بدعم الحزبين، ذكر بايدن مرّتين في معرض شكره لوقوفه مع إسرائيل، لكنّه تناول ترامب ثلاث مرّات. جاء ذلك في سياق تركيزه على الحلّ بالتطبيع العربي الإسرائيلي واتفاقات أبراهام، وبتجريد غزة من السلاح وإزالة العداء لإسرائيل.

غطاء الصّواريخ والمسيّرات للإغواء الإيرانيّ

في المقلب الآخر، الإيراني، ثمّة محاولة إغواء تجري في إدارة العلاقة مع الغرب والولايات المتحدة. فالفريق الجديد للحكم في طهران ومراكز القرار المتعدّدة تتوزّع الأدوار في مواكبة الانتخابات الرئاسية الأميركية. ليس نتنياهو وحده من يضرب حسابات الإفادة من الفترة الفاصلة عن 5 تشرين الثاني المقبل. وإذا وافق على الهدنة لخفض الضغوط عليه، والإفراج عن بعض الرهائن في المرحلة الأولى يعينه الانشغال الأميركي على وتيرة منخفضة لاستهدافه غزة، مع إبقاء جبهة الشمال معلّقة.

تحت مظلّة تصعيد المواجهات التي تفتعلها، تعمل طهران في شكل حثيث على استدراج صفقة ما مع بايدن، أو تسوية ولو ظرفية. فهي تلوّح بتغيير قواعد اللعبة في المواجهة العسكرية الدائرة، لكنّها لا تغيّرها فعليّاً. ومقابل حدث خطاب نتنياهو في الكونغرس سنشهد الثلاثاء المقبل حدث تنصيب الرئيس الإيراني الجديد مسعود بزشكيان في مجلس الشورى. وهو ما سيتيح إطلاق إشارات قد تعزّز خيار التفاوض، مع بدء ولايته. من الدلائل:

– أنّ استعداده للانفتاح على الغرب يأتي تأسيساً على ما سبق في الأسابيع الماضية من تواصل مع واشنطن. فوزير الخارجية بالإنابة محمد باقري كني أكّد حصول مفاوضات في عُمان. بل إنّ معطيات بعض الأوساط العربية أنّ كني أسرّ في الأسبوعين الماضيين إلى مسؤول عربي أنّ بلاده حريصة على مواصلة البحث. وتمّ نقل الرسالة إلى واشنطن بقنوات دبلوماسية.

– أنّ أوساطاً أجنبية أشارت إلى أنّ وزير الخارجية السابق محمد جواد ظريف، الذي سيكون مستشاراً رئيسياً لبزشكيان، باشر تشغيل اتّصالاته مع واشنطن ومعارفه فيها لفتح قنوات قديمة.

– أنّ بزشكيان سيعلن بعد تنصيبه حكومته الجديدة التي ستضمّ وجوهاً إصلاحية قد تروق للغرب. وسبق لوكالة “أمواج” أن توقّعت أن يكون:

–  60 في المئة من الوزراء من الشباب تحت سنّ الـ50 سنة.

–  20 في المئة من الوزراء سيكونون من النساء.

–  60 في المئة يجب ألّا يكونوا وزراء سابقين، مع الإتيان بمعظم الوزراء من إدارات وزاراتهم. وهو ما دفع ظريف إلى استبعاد تعيينه وزيراً للخارجية أو نائباً للرئيس.

– تعيين الوزراء سيتمّ بعد تشاور مع القطاع الخاص.

– وزير الاتصالات السابق الذي كان الشخصية الثانية الإصلاحية بعد ظريف التي دعمت بزشكيان، محمد جواد آذاري جهرومي (42 سنة)، شدّد على بثّ حياة جديدة في التركيبة الحكومية، لأنّ الجمهور سئم من رؤية الوجوه نفسها. وجهرومي هو الوزير الوحيد الذي عُيِّن عام 2017 وزيراً، وهو الوحيد ممّن ولدوا بعد الثورة الخمينية في 1979.

فهل يتيح الإغواء الإيراني لإدارة بايدن تكيف التفاوض أم أنّ لغة المدان، على انضباطها دون توسيع الحرب، ستبقي الأمور معلّقة إلى حين انتخاب الرئيس الأميركي الجديد؟