خاص -نتنياهو يستعدّ لحرب طويلة مع لبنان
لا يقلّ ضمان الأمن لسكان شمال إسرائيل أهميّة عن التخلص من حكم “حماس” في قطاع غزّة. لا بل أنّ الحسم مع لبنان بات بالنسبة إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يتقدّم الآن على سواه من الملفّات الأمنية، بعد قطع شوط كبير في معركة غزّة، وإضعاف الحركة إلى أقصى حدّ ممكن، تمهيداً لإقامة إدارة في القطاع تتناسب مع الرؤية الإسرائيلية.
والدليل أنّ المرحلة المقبلة ستركّز على الحدود مع لبنان، هو إعلان وزارة التربية الإسرائيلية إلغاء العام الدراسي في المستوطنات الشمالية التي تمّ إخلاؤها، وتقديم التعليم لطلاب هذه المستوطنات في أماكن أخرى، كما حصل في العام الماضي. وهذا القرار، الذي سبق زيارة نتنياهو لواشنطن بساعات قليلة، ليس هامشيّاً، إنّما يشكل إشارة واضحة إلى الاستعداد لحسم الوضع مع لبنان، حتّى لو تطلّب ذلك عاماً كاملاً.
وهناك فرصة ذهبية الآن أمام نتنياهو الذي سيعود من واشنطن مدجّجاً بدعم واسع من الحزبين الجمهوري والديموقراطي على السواء، ومن المرشّحين دونالد ترامب وكاميلا هاريس ايضاً، بعد الخطاب “الرنان” الذي ألقاه في الكونغرس، والذي قوبل بموجات تصفيق واستحسان مدهشة.
فأمام نتنياهو ثلاثة أشهر متفلّتة تقريباً من الضغوط الداخلية والخارجية، يمكنه خلالها المناورة بقدر ما يشاء. فالكنيست الإسرائيلي يدخل في عطلة تنتهي مع موعد انطلاق الانتخابات الأميركية. وستكون حكومته حتّى ذلك الوقت على الأقل في منأى عن المساءلة أو عن احتمال طرح الثقة بها. وفي واشنطن، سيكون المرشّحان دونالد ترامب وكاميلا هاريس في خضمّ معركتيهما الانتخابية، وهمّهما الأوّل هو جذب أكبر عدد من الناخبين، وعلى رأسهم اللوبي اليهودي الذي يتمتّع بنفوذ كبير في الولايات المتحدة، لدرجة أنّ نتنياهو يسمح لنفسه بتوجيه اللوم والانتقاد إلى المتظاهرين الأميركيين ضد سياسته في غزّة، وإلى جامعات أميركية عريقة شهدت احتجاجات مناهضة للحرب التي يقودها، من دون أن يهتزّ جفن للمشرّعين الأميركيين، الذين كانوا يستمعون بكل امتنان إلى الخطاب “التاريخي” لرئيس الوزراء الإسرائيلي.
واستناداً إلى هذاالمنطق، فإنّ الأشهر الثلاثة المقبلة ستكون محفوفة بالأخطار بالنسبة إلى لبنان، حيث لن يردع أحدٌ نتنياهو، إذا قرّر القيام بعمل متهوّر، يفرض من خلاله واقعاً جديداً على المعارضة الداخلية، وعلى الرئيس الأميركي الجديد في آنٍ واحد. وهو أكّد في خطابه أمام الكونغرس أنّ موضوع لبنان سيُحسم، سواء بالحرب أو بالمفاوضات، وركّز في شكل لافت على الدور الإيراني الذي يشكّل رأس حربة لكل الفصائل التابعة لطهران في المنطقة.
ويبقى قرار “حزب الله” بالخوض في المفاوضات أو الاستمرار في المشاغلة هو الذي يحدّد مسار المرحلة المقبلة. وإذ يعرف الحزب أنّ الأمور محكومة في النهاية بحلّ دبلوماسي، ولو بعد حرب، فإنّه يربط توقف القصف من جانبه بوقف الحرب في غزّة. ولا يُعرف بالضبط ما هي الصيغة التي يمكن للحزب أن يعتبرها انتهاء للحرب في القطاع. فهل هي الهدنة الموعودة أم وقف النار التامّ؟ وبماذا تصنَّف مثلاً العمليات الموضعية التي يمكن أن تجري بعد اتفاق الهدنة، طالما أنّ نتنياهو يريد في الوقت الراهن أن يبقي الملف الأمني في غزّة في يد الجيش الإسرائيلي؟
لا بدّ للحزب، قبل الدخول في أيّ تفاوض، من رفع السقف، وإبراز كلّ مصادر قوّته. لذا، وبالتزامن مع زيارة نتنياهو لواشنطن وإلقائه خطابه أمام الكونغرس، قام بإرسال “هدهد” جديد إلى عمق الأراضي الإسرائيلية، التقط صوراً لقاعدة “رامات دافيد” الجوية الإسرائيلية، بعد عرض صور مماثلة لقاعدة أخرى قبل فترة. كما سبق ذلك قيام مسيّرة يمنية بقصف تلّ أبيب وردّ إسرائيل باستهداف ميناء الحديدة ومراكز أخرى يسيطر عليها الحوثيّون.
إذا أحجمت إسرائيل عن خوض حرب واسعة في الجنوب اللبناني، فإنّ البديل سيكون استمرار العمليات على المنوال الذي هي عليه اليوم مع توسيع بنك الأهداف. فهي أغارت قبل يومين على مستودع للأسلحة تابع للحزب في منطقة عدلون. وقد ترى الحكومة في إسرائيل أنّ حرب استنزاف طويلة، تركّز على اغتيال الكوادر في الحزب وتدمير مستودعات الأسلحة واستهداف ما يمكن من إمدادات، قد تكون أفضل بالنسبة إليها من الحرب الواسعة. وهي حضّرت سكّان الشمال لسنة إضافية من إخلاء المنطقة.
وعندها يكون قد أصبح في البيت الأبيض رئيس جديد أو رئيسة، يتمّ التعامل مع أحدهما على مدى أربع سنوات مقبلة. وأي رئيس جلس على كرسي المكتب البيضاوي لن يبخل بتقديم المساعدة العسكرية والمادية لتلّ أبيب.
ولكن السؤال: هل من مصلحة “حزب الله” الانتظار والمماطلة أم الدخول في الحلّ قبل دخول دونالد ترامب المحتمل إلى البيت الابيض؟