خاص – هل ارتفعت احتمالات الحرب في لبنان؟
طرأ عاملان على الساحتين الإقليمية والدولية سيكون لهما تأثير مباشر على حرب غزّة، وتالياً على احتمالات اتّساع الحرب في لبنان. وهذان العاملان هما: الهجوم الذي نفّذته إسرائيل في المواصي وأدّى إلى نسف المفاوضات حول التوصل إلى اتفاق تهدئة، ومحاولة الاغتيال التي تعرّض لها الرئيس الأميركي السابق والمرشّح إلى الانتخابات الرئاسية دونالد ترامب. وعلى رغم أنّ هذين الحادثين منفصلان، فإنّ مفاعيلهما على التطوّرات في غزّة ولبنان تبدو مترابطة.
وأثبت الهجوم على المواصي الذي أوقع عشرات القتلى والجرحى في صفوف المدنيين، أنّ بنيامين نتنياهو مستعدّ لفعل أيّ شيء من أجل عرقلة التوصل إلى تسوية سياسية في غزّة. إذ بينما كانت المفاوضات جارية، وبعدما تخلّت حركة “حماس” عن مطلبيها الأساسيين، وهما وقف اطلاق نار نهائي وانسحاب القوات الإسرائيلية، كان نتنياهو يضع العراقيل أمام التسوية. فأتت العمليّة الدامية في المواصي التي لجأت إليها العائلات النازحة، لتدفع بالحركة إلى إعلان الانسحاب من التفاوض. وهذا يصبّ بالفعل في ما يريده رئيس الوزراء الإسرائيلي من إطالة عمر الحرب قدر الإمكان والمماطلة في البحث في خطة “اليوم التالي”.
وبما أن “حزب الله” يربط استمرار التصعيد على جبهة الجنوب بالتطورات الميدانية في القطاع، فإنّ العمليّات لن تتوقّف من جهة لبنان. ولكن، هذا لا يعني أنّ إسرائيل تعمل على الإيقاع الذي يفرضه الحزب. ومع أنّ تلّ أبيب تخشى الحرب الواسعة مع لبنان، لأنها ستكون أقسى بكثير من حرب غزّة، وتعرف حجم الترسانة العسكرية التي يملكها الحزب، فلا شيء يمنع نتنياهو من أن يتّخذ قراراً بتوسيع الهجوم على لبنان، أو بتوجيه ضربة نوعية، تطال أهدافاً مختلفة عن الأهداف التي تطالها الآن، من مثل استهداف بنى تحتية كمحطات الكهرباء أو المياه أو الجسور، أو حتى المطار. فنتنياهو يعتقد أنّ تصعيداً كهذا سيدفع الحزب إلى الدخول باكراً في عملية التفاوض حول سبل ضمان الأمن على الحدود. وتقول تقارير صحافية إنّ وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت طلب خلال زيارته الأخيرة لواشنطن تزويد بلاده بأسلحة وصواريخ من عيارات ثقيلة. لكن الإدارة الأميركية رفضت، خوفاً من استعمالها في أماكن مأهولة.
ومع انخفاض مستوى العمليات العسكرية في غزّة، يمكن لإسرائيل تركيز الاهتمام أكثر على الموضوع اللبناني. ويعتبر المسؤولون الإسرائيليون أنّ ملفّ لبنان تنبغي معالجته في معزل عن الوضع في القطاع. فوجود الحزب بأسلحته وعناصره قرب الحدود، يشكّل تهديداً في حدّ ذاته. ولم يعد ممكناً، بعد الهجوم الذي نفّذته “حماس” في 7 تشرين الأوّل، القبول باستمرار الوضع على ما هو عليه في جنوب لبنان، ويجب إنهاؤه بطريقة من الطرق، على الأقلّ من أجل إقناع السكان بالعودة إلى منازلهم.
في هذا التوقيت، حصلت محاولة الاغتيال التي استهدفت ترامب أثناء لقاء انتخابي في بنسلفانيا، وقد نجا منها بأعجوبة. ولكن التردّدات التي ستتركها ستكون كبيرة على الحملات الانتخابية التي تدور بين مرشّح يعاني مشاكل إدراكية ويرفض التنحّي، ومرشّح آخر يتّسم بقراراته المتطرّفة والمتهوّرة والخارجة عن المألوف في السياسة الأميركية، وفي التعاطي مع روسيا والصين والشرق الأوسط والمناخ والمنظمات الدولية والاتحاد الأوروبي.
ويرى المحلّلون أنّ الرصاصة التي أصابت أذن الرئيس السابق ستحشد تعاطفاً كبيراً مع ترامب، بما يؤدّي إلى ارتفاع نسبة مؤيديه في الانتخابات. كما ستُسكِت الأصوات المنتقدة له داخل الحزب الجمهوري. أمّا بالنسبة إلى الرئيس جو بايدن، فربّما تدفعه هذه الحادثة إلى الاقتناع بالتنحّي لصالح مرشّح آخر من الحزب الديموقراطي يكون قادراّ على الوقوف في وجه ترامب.
وسيكون نتنياهو مبتهجاً مع تقدّم ترامب في استطلاعات الرأي. وهو كان يتطلّع منذ بداية الحرب في غزّة إلى عودة صديقه إلى البيت الأبيض، وهو الذي قدّم لإسرائيل ما لم يقدّمه أيّ رئيس أميركيّ آخر. ويمكن لنتنياهو إطالة عمر الحرب لبضعة أشهر إضافية، في انتظار وصول ترامب إلى سدّة الرئاسة، لأنّه يفضّل البحث في بنود التسوية السياسية مع ظل وجود ترامب على رأس الإدارة الأميركية.