بيض مُغذّى بالسالمونيلا والفطريات والبكتيريا الضارة ومُزين بـ “الدود” و “العفن”…
من المؤسف أن غياب الرقابة الفعّالة لوزارة الصحة والمراقبين على الأرض، أصبح واقعا يهدد الصحة العامة بشكل متزايد. وفي ظل تفاقم الاستهتار، نجد أن مزارع الدواجن تتحول إلى بؤر تلوث، نتيجة شرب الدجاج من مياه المجارير، مما يعني ان هذه الممارسة الخطرة تؤدي إلى إنتاج بيض مدود ومتعفن وغير صالح للأكل.
ومن البديهي ان يتساءل الشعب عن دور وزارة الصحة في هذه الكارثة الصحية، والمؤسسات الرقابية التي من المفترض أن تحمي صحة الناس، اذ ان غيابها الفاضح يشير إلى تجاهل صارخ للسلامة العامة، وترك المواطنين عرضة لأخطار لا حصر لها. لا سيما وان هذه القضية ليست مجرد حادثة عابرة، بل هي نتيجة مباشرة لفساد وتراخٍ طال أمده.
“الصحة” في سبات عميق!
وفي هذا المجال، قال أطباء صحة عامة لـ “الديار” ان “البيض الملوث هو نتيجة حتمية لشرب الدواجن من مياه مترعة بالبكتيريا والفيروسات، والاسوأ عندما يختلط هذا البيض بالعفن والديدان، فساعتئذ نكون أمام قنبلة موقوتة قد تحصد حياة الجميع. لذلك نوجه أصابع الاتهام إلى المسؤولين الغائبين، ونطالبهم بتدخل فوري وحازم لضمان سلامة الغذاء وصحة المواطنين، كما ينبغي على الوزارة المعنية الاستيقاظ من سباتها وتحمل مسؤولياتها بجدية، فالتهاون والتجاهل لم يعودا خيارا مقبولا أمام هذا التهديد الواضح”.
افتك غذاء.. اذا!
يعتبر البيض غذاءً ثريا بالبروتين، وهو ما يجعله بيئة مثالية لنمو البكتيريا والطفيليات الضارة، لذلك يؤدي التساهل في التعامل مع هذا القطاع إلى إصابة مئات الأشخاص بأمراض مهلكة، بل وحتى وفاة البعض، مما يسلط الضوء على ضرورة التدخل العاجل من الجهات المسؤولة.
تجدر الإشارة الى انه وعلى الرغم من محاولاتنا العديدة للتواصل مع مستشارة وزير الصحة السيدة غادة جبران للحصول على تعليق أو تفسير حول هذه الكارثة، إلا أنها لم تبد أي اهتمام بالرد، ويثير هذا الصمت من قبل “الصحة” العديد من التساؤلات حول جديتها، في مواجهة هذه المشكلة الملحة وضمان سلامة الغذاء للمواطنين.
لذلك من الضروري اتخاذ خطوات حازمة وفورية لتعزيز الرقابة على سلامة الغذاء، وتطبيق القوانين الصارمة بحق المخالفين، حفاظا على صحة وسلامة الجميع.
صحة المواطنين “مش لعبة”!
كشف السيد مدحت الجردي صاحب محل لبيع السمانة في الشويفات لـ “الديار” عن “ان إحدى الشركات الكبرى التي يتعامل معها سلمته بيضا فاسدا. وفي تفاصيل هذه المسألة، يقول الجردي “اتصلت بي زبونه تريد ان أرسل لها بيضا مع ابنتها، لكنها بعد اقل من نصف ساعة ردّته بعدما وجدت الدود يغطي غلافه الصلب الخارجي. مع العلم ان بيض هذه الشركة دائما يكون مغلفا بغطاء نيلون سميك. وكان صاحب المحل قد صور فيديو خاص “للديار” بيّن فيه كيف يتراقص الدود على قشر البيض من الخارج ، ويعتريه العفن من الداخل.
ولمعرفة خلفيات هذه الكارثة الصحية، تواصلت “الديار” مع مسؤول المبيعات في الشركة الذي قال: “ان الشركة ستجري فحوصات مخبرية لهذا البيض لمعرفة سبب عفنه وتدويده.
لكن بعد اقل من اسبوع، حاولت الشركة اسكات صاحب المحل عن طريق رشوته بـ 3 كراتين بيض جديدة، وطلبت منه سحب الفيديو وتقديم اعتذار علني، طبعا هذا التصرف يؤكد ان البيض كان فاسداً.
الا ان الجردي قرر أن يبقى وفيا لقناعاته وقام برفض العرض، معتبرا ان “هذه المسألة قد تؤثر في صحة الناس وبشكل خاص الأطفال، لا سيما وان البيض يعد من أخطر الأغذية نظرا لمحتواه العالي من البروتين، مما قد يؤدي الى التسمم والموت”.
أضرار البيض الفاسد وعوامل تلوثه
من جهتها، أوضحت اختصاصية التغذية العلاجية والمشرفة على السلامة الغذائية لين الياس سبانخ لـ “الديار” أن “البيض الفاسد مصدر للعديد من الأمراض الغذائية، ويعتبر بيئة خصبة لنمو البكتيريا مثل السالمونيلا، التي يمكن أن تسبب التسمم الغذائي وتؤدي إلى أعراض خطرة مثل الحمى والإسهال والقيء”.
وأكدت “ان شرب الدجاج من مياه المجارير أو مياه متكدرة، من العوامل التي قد تلوث البيض، حيث يمكن أن تنتقل البكتيريا والفيروسات الضارة إلى الدجاج ومن ثم إلى البيض، لذلك يجب على مَزارع الدواجن أن تضمن توفير مياه نظيفة وصحية لمنع التلطّخ”.
واردفت “عندما نلاحظ دودا أو عفنا على الغلاف، فإن البيض يكون قد مر بمراحل متقدمة من التلوث والتلف، وتَشَكُّل العفن يشير إلى نمو الفطريات والبكتيريا. اما في ما يتعلق بوجود الدود على ظاهر القشرة الخارجية، فهو علامة على التلوث الشديد، لأنه قد تعرض لمصادر تدنيس كبيرة مثل البراز أو المواد العضوية المتحللة او مياه المجارير”.
وشددت على “ان الغلاف الصلب إذا كان مكسورا وفقا لما قاله المسؤول لـ “الديار”، فمن المستحيل الوصول الى هذه النتيجة من التعفّن، اذ ان البيض الذي شاهدته في الفيديو المصور لم يكن مكسورا او مشعورا حتّى”.
فحوصات بدون دليل والكارثة قائمة!
بالتوازي، تسلمت “الديار” التي تتابع هذه القضية عن كثب نسخة من نتائج الفحوصات المخبرية للبيض العائد للشركة ، وبحسب الاختبارات فان البيض نظيف وصحي.
والسؤال الذي يطرح نفسه هنا، هل يمكن التلاعب بهذه النتائج لا سيما بعدما حاولت الشركة رشوة صاحب المحل؟ يجيب اخصائي في الطب المخبري والسريري بـحزم “نعم، يمكن التلاعب بنتائج الفحوصات المخبرية لخداع الناس وإقناعهم بأن البيض جيد، لان الفحص يخرج على هيئة (PDF)، وبالتالي يمكن تبديل المحتوى والمعلومات بـ “شخطة قلم”.
واكد لـ “الديار” ان “هذا الامر غالبا ما يحدث في الشركات الكبرى التي تخاف على سوقها، وتريد ان تحافظ على سمعتها. لكن أجزم ان تزوير المضمون وارد بشدة، واعتقد انه تم تبديل النتائج، وهذا يعتبر عملا غير أخلاقي وغير قانوني، اذ ان التلاعب قد يتضمن الاتي:
1- ابطال النتائج بهدف تغيير الأرقام أو البيانات في تقارير الفحوصات المخبرية، لإظهار أن البيض خالٍ من التلوث أو الأمراض.
2- استبدال العينة: تقديم عينات سليمة للفحص، بينما يكون البيض المتوافر في الأسواق ملوثا.
3- تجاهل بعض الاختبارات: عدم إجراء بعض الفحوصات الأساسية التي قد تكشف عن السبب الحقيقي لتلوث وتلف البيض.
وأشار الى “ان هذه الأعمال تتعارض مع التشريعات والمعايير الصحية، وقد تؤدي إلى عواقب وخيمة على الصحة العامة. ولضمان النزاهة، يجب أن تخضع الفحوصات المخبرية للرقابة المستقلة ، والمطلوب من الجهات الرقابية الحكومية تطبيق عقوبات صارمة على من يثبت تورطه في مثل هذه الأنشطة، وتعتبر المصداقية في هذا المجال ضرورية لحماية صحة المستهلكين”.
وختم “يتعين على الإدارات المعنية تكثيف جهودها لضمان سلامة الأغذية من خلال التفتيش الدوري على المزارع ومحلات البيع، وتنفيذ معايير الصحة العامة بصرامة للحفاظ على السلامة العامة”.
لهذه الأسباب.. البيض حتما ملوث!
من جانبه، أكد اخصائي التغذية طه مريود لـ “الديار” ان “شرب الدجاج ماء غير صالح ينجم عنه تلوث البيض بطرق غير مباشرة، حتى وإن لم يظهر ذلك بشكل فوري في البيض الطازج، لان المياه المتّسخة قد تحتوي على بكتيريا وفيروسات، يمكن أن تنتقل إلى الجهاز الهضمي للدجاج ومن ثم إلى البيض الذي ينتجه”. لذلك يجب الانتباه الى الامور التالية:
1- البكتيريا والفيروسات: تحتوي المياه الملوثة على بكتيريا مثل السالمونيلا والإشريكية القولونية (E. coli) وفيروسات وبكتيريا، قد تنتقل إلى جسم الدجاج من خلال الجهاز التناسلي، فيتلوث البيض من الداخل.
2- التلوث الداخلي والخارجي: قد يبدو البيض طازجا وجيدا من الخارج، لكنه في الواقع يكون ملوثًا بالبكتيريا التي لا يمكن رؤيتها بالعين المجردة، ولا يظهر عليه علامات مثل العفن او الدود.
3- مراحل التلف: بروز العفن والدود على غشاء قشر البيض يعني انه ملوّث بشكل كبير، وهذا يحدث إذا كانت الدجاجة تشرب باستمرار من مياه ملطّخة، مما يضاعف من فرص انتقال البكتيريا والفيروسات إلى البيض. ايضا إذا تم تخزين البيض الملوث في ظروف غير صحية، قد يبدأ التعفن أو تظهر الديدان مع مرور الوقت، لكن هذا الاحتمال لا يطبق على البيض العائد للشركة .
في الخلاصة، يُعد كشف الفساد واجبا مهنيا مهما، لذلك يجب ألا ننسى أن هناك مئات الشركات التي تلتزم بأعلى معايير الجودة والنزاهة في صناعة منتجاتها الغذائية في لبنان. وتضع هذه المؤسسات النظيفة السلامة الصحية للمواطنين في مقدمة أولوياتها، حيث تستثمر في تكنولوجيا الإنتاج الحديثة، وتفتش عن أفضل التجارب لضمان سلامة سلعها. ونحن عندما نُشير إلى المخالفات، فإننا لا نهدف فقط إلى توضيح الخروقات، بل نسعى جاهدين أيضا لتعزيز النماذج الإيجابية وتشجيع الشركات على الالتزام بالشروط الصحية والبيئية. فدعم هذه الشركات يمثل خطوة نحو بناء مجتمع صحي ومستدام، لذلك نستخدم الكشف عن التجاوزات كمحرك لتوطيد الشفافية والثقة بين المستهلكين والشركات، مع التأكيد على أن هناك نماذج إيجابية تستحق التقدير والدعم، وهو ما يضمن لنا جميعا مستقبلًا سليما وآمنا.