خاص- المعارضة تستشعر الخطر: ملفّ الرئاسة يفلت من يدها
من الطبيعي أن يتحرّك الملفّ الرئاسي عند اقتراب التسوية حول التهدئة في الجنوب. فهو بات مرتبطاً في شكل وثيق مع ما ستؤول إليه الأمور في غزّة، وتالياً في حرب المساندة في لبنان. وعندما سيعلن الحزب “النصر” قريباً، ستتّجه الأنظار إلى موضوع رئاسة الجمهورية من جديد.
ويبدو أنّ المعارضة استشعرت الخطر الذي يقترب. فقد قرأت جيّداً التطوّرات الإقليمية. واستنتجت أنّ الحزب لم يعد بعيداً من التوصّل إلى تسوية حول التهدئة في الجنوب، وأنّه سيقبض في مقابل هذه التسوية الثمن، الذي سيكون الملف الرئاسي جزءاً منه. فسارعت لتدارك الخسائر في اللحظات الأخيرة. وفي هذا الإطار، أطلقت مبادرتها، وأعلنت “خارطة طريق” تؤدّي من وجهة نظرها إلى انتخاب رئيس للجمهورية.
وشكّل طرحها في الواقع تراجعاً نسبياً عن مواقفها السابقة. فهي رضيت بـ “التشاور حول انتخاب رئيس ضمن الدستور والأعراف”. وينص ّ اقتراح المعارضة على أن يلتقي النواب في مقرّ المجلس النيابي، وأن يقوموا بالتشاور في ما بينهم، من دون دعوة رسميّة أو مأسسة أو إطار محدّد، على أن تكون مدّة التشاور محصورة بـ 48 ساعة. وهذه الصيغة المطروحة تستبعد رئيس المجلس كمشرف على الحوار أو النقاش أو التشاور، ولكنّها تقبل بمبدأ تبادل الآراء والاتفاق على مرشّح، إذا كان هذا ممكناً، قبل بدء عملية الاقتراع أو بين الدورة الأولى والدورات التالية المفتوحة.
ويحرص نواب المعارضة الواحد والثلاثون على إشراك اللجنة الخماسية، التي تمثّل كلاً من الولايات المتحدة وفرنسا والسعودية ومصر وقطر، في المبادرة، كضمانة لعدم استفرادهم من قبل الأفرقاء الآخرين، بحيث أنّ اللجنة التي تشكّل ما يشبه الهيئة الرسمية الراعية لملفّ الرئاسة، يمكنها أن تحفظ التوازن بين الأسماء التي ستُطرح.
ولكن هذا الاعتقاد ليس مضموناً. ففي النهاية، يكون اختيار رئيس الجمهورية كنتيجة لموازين القوى. ولا شيء يمنع من أن تبارك اللجنة الخماسية الاسم الذي يختاره “حزب الله”، خصوصاً إذا ما تأمّن النصاب الكافي للانتخاب. ولا ننسى أنّ باريس كانت تروّج في البداية للمرشّح سليمان فرنجية، قبل أن تواجَه باعتراضات، جعلتها تغيّر رأيها في اتجاه مرشّح وسطي، أو ما يسمّى الخيار الثالث. أمّا الرياض، فقد لا تعارض مرشّحاً يرضي الحزب، خصوصاً إذا ما شملت المرحلة المقبلة اتفاقاً أميركياً إيرانياً لضمان الهدوء في لبنان، وإيرانياً سعودياً لمزيد من تعزيز العلاقات، في ضوء انتخاب الإصلاحي مسعود بزشكيان رئيساً في إيران.
وفي ترجمة عمليّة لهذه الصورة، يصرّ الحزب على التمسّك بترشيح سليمان فرنجية أكثر من أيّ وقت سابق. وهو في أيّ حال، يرجئ البحث في التفاصيل إلى ما بعد انتهاء الحرب والتفرّغ لملفّات الداخل. ولكنّ الأكيد أنّ الحزب “المنتصر” لن يقبل باستبدال فرنجية إلّا بمن يوازيه في دعم للمقاومة.
وسط هذه التقاطعات، تتوجّه الأنظار إلى التموضع الذي سيرسو عليه رئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل. وهو بدأ يتحسّب أيضاً للمرحلة المقبلة. فعمد إلى التقرب من رئيس المجلس نبيه برّي، بعدما بلغ الخلاف بينهما في الآونة الأخيرة حدّاً مرتفعاً. ويحاول باسيل العودة إلى كسب ودّ الحزب عبر طَرق باب حليفه في الثنائية الشيعية. وهو، في أيّ حال، ليَّن من مواقفه التي اعترض فيها سابقاً على مبدأ وحدة الساحات، وأصدر إشارات دعم للمقاومة، معتبراً أنّ “من المفترض بعد الحرب عدم العودة إلى قواعد الاشتباك، بل تحقيق كلّ مطالب لبنان، ومن ضمنها تحرير الأراضي المحتلّة”.
ومع أنّ سبب خلاف باسيل الأساسي مع الحزب هو عدم ترشيحه للرئاسة وإعلان تبنّي ترشيح فرنجيّة، فلا شيء يمنعه من انتخاب منافسه أو أيّ اسم آخر يطرحه الحزب، في حال حصل مثلاً على وعد بأن يأتي دوره في الانتخابات المقبلة، تماماً كالوعد الذي قدّمه الحزب للعماد ميشال عون ووفى به.
وكان باسيل اعتبر أنّ التشاور ممكن حتّى من دون القوّات اللبنانية، إذا ظلّ رئيس سمير جعجع مصرّاً على رفض الحوار أو التشاور. والمهمّ تأمين حضور 86 نائباً. ولكن برّي بنفسه رفض التشاور بمن حضر، وقال إنّه يتطلّع إلى حوار جامع لا يتوخّى كسر فريق أو عزله.
ومن هنا، أتت مبادرة المعارضة إلى طرح تشاور بين النواب لا يرتدي طابعاً رسمياً ولا يخالف منطق الدستور. ولكن التوقّعات في شأن نجاح مبادرة المعارضة تبقى ضئيلة، كما سائر المبادرات السابقة. وعندما يحين وقت الانتخاب، لن يكون موقف المعارضة قادراً على التعطيل، خصوصاً إذا ما عمد الحزب إلى التفاوض مع باسيل على اسم الرئيس المقبل. ويمكن للمعارضة عندها أن تقبل أو أن تقاطع.