بالكاد… منع “تمدد أزمات”!
قبل أسابيع قليلة فقط، بشر وزير الطاقة اللبناني “رعايا” البلد المأزوم والهازج في الوقت نفسه عند أبواب صيفية لاهبة بالازدواجية الخيالية بين خوف من حرب إسرائيلية مجنونة على لبنان وتوافد أهله المنتشرين بشجاعة مثيرة للإعجاب، بأن الكهرباء مقبلة على “فتح” عظيم بزيادة تغذية قد تناهز الساعات الثماني أو التسع!
“بلا طول سيرة”، لم يستقم الوعد المتحدر من نهج برتقالي يطبق منذ عقدين على قطاع الكهرباء ويزعم أنه حقق فيه الأعاجيب، فيما الأعجوبة الحقيقية الوحيدة هي إفلاس وتعتيم ومديونية مسؤولة عن أكثر من نصف أكبر مديونية في العالم قاطبة … لم يستقم أسابيع حتى افتضح المستور مجددا وغرق مطار بيروت الذي لم يبق من اسمه “مطار رفيق الحريري الدولي” إلا التأسي على اسم الشهيد الذي يحمله، في أسوأ ما يمكن أن يصيبه في موسم سياحي منفجر بعودة ما يناهز العشرين ألف لبناني يوميا (هكذا يقولون).
لن يكون الزعم بأن تجدد كارثة أعراض اندثار “كهرباء الدولة” في لبنان أمر طارئ مفاجئ غير محسوب، وتاليا رفع الزعيق بالمزايدات والشكاوى ورمي كرة التبعات والمسؤوليات وتقاذفها بين مصرف لبنان ومؤسسة كهرباء لبنان ووزارة الطاقة. فهذه “المؤسسات” العامرة سواء جميعها أو منفردة، أدت بلا شك، وتؤدي وستؤدي تباعا أدوارا “مشرفة ومشرقة” في أكبر الكوارث التي لحقت بلبنان الطاقة والخدمات والانهيار المالي.
وأساسا تكفي المعاينة والمراقبة والتدقيق في الإحصاءات والدراسات العالمية لقطاع إنتاج الطاقة الكهربائية البديلة عبر الطاقة الشمسية، لتبين أن لبنان المتخلف في كل شيء والذي يحتل أسفل قوائم التصنيفات العالمية للدول الأشد فشلا، لا يتقدم إلا في قائمة البلدان الأكثر استعمالا للطاقة الشمسية. معنى ذلك أن اللبنانيين الذين نجحوا في مكان نادر كهذا لتعويض الكارثة الخدماتية التي قوّضت “البلد المشع” عن أساسه، يدينون بكل المعايير في هذا الاختراق البديل لأسوأ إدارة أزمة في التاريخ حصلت في قطاع الكهرباء أولا ومن بعدها تكرّ السبحة.
كنا نودّ أن نمتلك الخبرة اللازمة لتقديم النصائح باعتماد نهج مماثل للطاقة الشمسية البديلة في سائر قطاعات الخدمات، لكننا أولا لا نزعم امتلاك هذه القدرات، وثانيا والأهم أننا نخشى انفجار فائض من فوائض الفضائح والفساد أيضا وأيضا في كل ناحية من نواحي الخدمات ذات الصلة بالدولة عموما والقطاعات التي تسلبط عليها جهات سياسية وحزبية عفنت سمعة الدولة في ظل هيمنتها المتمادية عليها.
وما دام الشيء بالشيء يذكر، معلوم أن معزوفة تتردد بكثافة عالية ومملة يوميا عبر أدبيات السياسيين الذين يفتشون عن ملهاة تحجب البطالة القاتلة التي أصابت كل السياسة “ومؤسساتها” وشلّها شلا غير مسبوق أسوة بفراغ السنتين في قصر بعبدا، هي معزوفة الدعوات إلى “منع تمدد الحرب” إلى لبنان. كأن ذاك المخيف الجاري في جنوب لبنان منذ تسعة أشهر بالتمام والكمال، ليس حربا ولا هجّر ما يناهز المئة ألف لبناني جنوبي من بلداتهم وبيوتهم، ولا دمر عشرات البلدات والقرى دمارا “غزاويا”، ولا أودى بحياة أكثر من 450 شهيدا سواء كانوا مقاتلين أو مدنيين. في كل الأحوال، كيف لنا أن نبتكر وظيفة لذوي البطالة هؤلاء بأن نقترح عليهم ملء فراغهم الفاضح بمنع تمدد الأزمات والكوارث فقط بشتى السبل المتاحة في الآتي من الأسابيع، قبل أن يدهمنا تمدد تلك الحرب الزاحفة؟