خاص – من هو المنتصر في حرب غزّة؟

خاص – من هو المنتصر في حرب غزّة؟

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
4 تموز 2024

ستنتهي الهجمات والمعارك الكبرى في قطاع غزّة في خلال شهر تمّوز الحاليّ. وسيتمّ الانتقال، حسب المسؤولين العسكريين الإسرائيليين، إلى ما يسمّى المرحلة الثالثة، التي ستركّز على تنفيذ عمليّات محدّدة وملاحقة خلايا “حماس”. فالاجتياحات والغارات المكثّفة لم تعد تجدي، بعدما تمّ تدمير القطاع في شكل واسع، وسيطر الجيش الإسرائيلي على المعبر مع مصر. فهل من منتصر في هذه الحرب، وما هو المتوقّع بالنسبة إلى مستقبل القطاع من الناحيتين الأمنية والسياسية؟

ستوقف إسرائيل العمليات الكبيرة، من دون أن تتمكّن من القضاء على حركة “حماس”، وهو الهدف الذي وضعه رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو منذ اليوم الأوّل للحرب. صحيح أنّ البنية العسكرية للحركة اهتزّت، وخسرت العديد من كوادرها وقدراتها، لكنها ما زالت حيّة ترزق، لا بل ما زالت قادرة على فرض شروطها للهدنة وصفقة الرهائن المحتملة.

لكن إسرائيل ستعلن عند الانتقال إلى المرحلة الثالثة قريباً، أنّها حقّقت الجزء الأكبر من أهدافها التي ستستكملها بوسائل عسكرية مختلفة. وتعتبر القيادة العسكرية في تلّ أبيب أنّها قضت على قسم كبير من الكتائب والعناصر، وأنجزت في رفح مهمّة السيطرة على المعابر، بحيث لم يعد في أمكان الحركة إدخال السلاح عبر تهريبه في الأنفاق._الفلسطينيةالسلطة

ويستدعي إكمال المهمّة استمرار حرب الاستنزاف الطويلة، أي إبقاء جزء كبير من قوات الجيش الإسرائيلي في القطاع في شكل متقطّع. وعلى رغم ذلك، فما زال لدى “حماس” أوراق كثيرة تلعبها، على رأسها ورقة الرهائن.

كما أنّ “حماس” قادرة على شنّ حرب عصابات على المدى الطويل. وظهر ذلك من خلال العمليات التي قامت بها والكمائن التي نصبتها للمركبات العسكرية الإسرائيلية في الفترة الأخيرة. وهذه الكمائن والعبوات لا يمكن الاستهانة بنتائجها. فهي التي دفعت الجيش الإسرائيلي في العام 2000 إلى الانسحاب من لبنان. كما أنّ فشل عملية “أيّام الغضب” في منع إطلاق الصواريخ من غزّة، هو الذي عجّل في اتخاذ رئيس الوزراء أرييل شارون قرار الانسحاب من القطاع في العام 2005، بعد 38 عاماً من السيطرة الإسرائيلية عليه، إثر حرب العام 1967.

ومنذ خروج القوات الإسرائيلية من غزّة وتفكيك المستوطنات،  شنّت إسرائيل ثلاث حروب كبيرة على القطاع، وأقامت منطقة عازلة. ولكن “حماس” تمكّنت من تقوية بنيتها العسكرية وتكديس السلاح، خصوصاً بعدما تبيّن أنّها تحظى بدعم شعبي، إذ فازت بأغلبية المقاعد في الانتخابات التشريعية في العام 2006، قبل أن تطيح بحركة “فتح” في القطاع في حزيران من العام 2007.

في أيّ حال، ما يحدّد مستقبل القطاع هو شكل الحكم الذي سيُعتمد، أو ما يعرف بخطة “اليوم التالي”. وفيما يراوغ نتنياهو حول هذا الملف، يضغط القادة العسكريون في اتجاه اتخاذ قرار قبل الانتقال إلى المرحلة الثالثة من الحرب. وقد طرح وزير الدفاع يوآف غالانت خطّته، التي لم يوافق عليها نتنياهو، مع المسؤولين في واشنطن. وتقوم الخطّة على تقسيم القطاع إلى مناطق أمنية أو مربّعات أمنية، على أن يتمّ ذلك على مراحل، بدءاً من الشمال. وتتولّى لجنة تشرف عليها الولايات المتحدة وتشارك فيها دول عربية مهمّة الأمن في مرحلة انتقالية، تمهيداً لتحضير قوّة فلسطينية في شكل تدريجي. ولكن دون هذه الخطّة عقبات كثيرة، أبرزها موافقة دول عربية على المشاركة فيها. ومن الصعب أن يتمّ ذلك من دون الموافقة الإسرائيلية على حلّ الدولتين أو الوعد بالموافقة على الأقلّ.

وكان وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن أعلن في أيّار الماضي أنّ واشنطن تعمل لتطوير خطط للأمن والحكم في القطاع. وستدعو الولايات المتحّدة كلّاً من مصر والإمارات والمغرب على سبيل المثال لنشر قوّة عربية لحفظ السلام عندما تنتهي المعارك، على أن يقوم لاحقاً حكم فلسطيني موثوق.

ولكن كل هذه الطروحات تبقى مجرّد أفكار. فحركة “حماس” ترفض تدخّل دول عربية وقوى أجنبية، وتهدّد بمحاربة أيّ وجود غير فلسطيني في القطاع. وهي باتت تدرك أنّه لا يمكنها في المرحلة المقبلة حكم القطاع لوحدها. لذلك، استبقت الوقت، وأجرت محادثات في كلّ من قطر ومصر مع فصائل فلسطينية أخرى، في محاولة لايجاد صيغة للحكم في مرحلة ما بعد الحرب. وهي أبدت الاستعداد لتشكيل حكومة تكنوقراط أو حكومة من الفصائل التي توافق على المصالحة الفلسطينية. ولكنّها تريد أن تبقي المسائل الأمنية في يدها، وترفض بالطبع أيّ دور لحركة “فتح”، وتحاول أن تجد من يؤيد توجّهاتها داخل السلطة الفلسطينية. وهي طرحت أسماء عدّة، مثل أحمد غنيم ومحمّد دحلان وناصر القدوة ومروان البرغوثي الذي يقضي حكماً بالسجن المؤبّد في السجون الإسرائيلية.

يقترب الوقت لاتخاذ قرار في شأن “اليوم التالي” في غزّة. وقد أبدت “حماس” أمس مرونة في ما خصّ صفقة تتعلّق بالرهائن وإنهاء القتال، في انتظار ردّ من الحكومة الإسرائيلية. وإذا ما سارت الأمور جيّداً، فقد تُعلن نهاية الحرب التي لا يُعرف من هو المنتصر الحقيقي فيها.