خاص – الساحة السنّية: بين بهاء وسعد و”الإخوان”
منذ غياب سعد الحريري عن المسرح السياسي وحلّ تياره وانكفائه عن خوض الانتخابات التشريعية، صارت الساحة السنّية “الفارغة” أرضاً خصبة لكل طالبي الزعامة وأصحاب “المشاريع” والطموحات، ومركز اهتمام للحركات الأصولية. ولكن، أيّاً من هؤلاء لم ينجح حتى الآن في استقطاب الشارع السنّي، بحيث يشكّل حيثيّة كبيرة يُعتدّ بها.
وتعود الأنظار إلى هذا الموضوع من جديد، بعد تطوّرات ايجابية طرأت على علاقات بعض الأوساط السنّية بـ “حزب الله”، تحت عباءة تحالف الحزب مع “حماس” والحرب التي يخوضها في الجنوب لإسناد الفلسطينيين. وترافقت هذه الاجواء مع العودة المفاجئة لبهاء الحريري إلى بيروت، مكرّرا المحاولة مرّة أخرى للدخول على خطّ العمل السياسي.
فهل ستتمكّن أيّ من هذه الاتجاهات من جذب الشارع السنّي إلى مشروع سياسي، بعد انكفاء “تيار المستقبل”؟
في الواقع، غابت معظم العائلات السنّية المعروفة، التي كانت تدير العمل السياسي، كآل الصلح وآل سلام وسواهما، عن المسرح السياسي منذ فترة، خصوصاً بعدما طغى الحضور الحريري منذ التسعينات. وطبعاً ما زالت عائلات أخرى كآل كرامي في طرابلس مثلاً منخرطة في العمل السياسي، ولكنّ نفوذها يبقى محدوداً جغرافياً. كما أنّ رئيس الحكومة الحالي نجيب ميقاتي لم يشكّل حالة تستقطب الشارع السنّي، مع أنّ لديه كل الإمكانات ليفعل ذلك. ولكنّه ربّما لم يسخّر كلّ طاقته في هذا الاتجاه. كما أنّ الوجوه السنّية الجديدة، التي ركبت موجة “الثورة” لم تتمكّن من فرض حضورها الوازن.
من هنا، تغري بهاء الحريري ومن يدعمه، بين الفينة والأخرى، فكرة ملء الفراغ الذي تركه شقيقه سعد. ولكنّه كان في كل مرّة يفشل في ذلك، ويعود أدراجه خائباً، مع أنّه خصّص مبالغ كبيرة على الصعيدين السياسي والإعلامي من أجل جذب الناخبين، من دون فائدة تذكر.
فهل ينقص بهاء الحريري الدعم الخارجي الكافي، أم أنّ هناك جهات لا تريد في المطلق عودة أيّ شخصية من آل الحريري إلى الواجهة السياسية؟ أو أنّ الظروف لم تكن ملائمة حتى الآن لدخوله المعترك السياسي؟
في أيّ حال، عاد بهاء من جديد إلى بيروت، رافعاً هذه المرّة شعار السير على نهج الرئيس الشهيد رفيق الحريري. وقيل إنّه سيعلن ولادة تيار سياسي، وسيحدّد برنامجه. واستهلّ نشاطه في لبنان بزيارة ضريح والده في وسط بيروت، مؤكداً أن العنوان الذي سيعمل عليه هو خطّ الاعتدال. ومعلوم أنّ بهاء الحريري استغلّ في المرّات السابقة شعارات “ثورة 17 تشرين”، كي يُظهر نفسه كتغييريّ محارب للفساد وداعم لأفكار الشباب. والآن يحاول الإفادة من إرث والده، علماً بأنّ العائلة لا تدعم توجّهاته ولن تبايعه.
وعلى ما يبدو، فإنّ عودته هذه المرّة ليست مرتبطة مباشرة بمحاولته ملء الفراغ الذي تركه استنكاف شقيقه سعد عن السياسة. بل هي تتزامن مع محاولة “حزب الله” استمالة الشارع السنّي على خلفية التعاطف مع حرب غزّة ونجاحه في ذلك إلى حدّ معيّن.
فبعد السابع من تشرين، أعادت “الجماعة الإسلامية”، وهي الإسم المتعارف عليه لتنظيم “الإخوان المسلمين” في لبنان، تنشيط عملها. وشنّ جناحها المسلّح “قوات الفجر” بعض الهجمات ضدّ إسرائيل. والمهمّ في ذلك أنّها تقوم بهذه العمليات تحت غطاء الحزب ودعماً لـ “حماس”، ما يؤدّي إلى اجتذاب شرائح سنّيّة إضافية متعاطفة مع غزّة إلى “الجماعة”، التي تحوّلت نحو تحالف سياسي مع الحزب، خصوصاً في ضوء غياب الزعامة السنّيّة بعد اعتزال سعد الحريري. وعليه، فإنّ تأثير “حماس” على “الجماعة الإسلامية” سيجعلها تتسلّل أكثر فأكثر داخل المجتمع السنّي، وهو ما يصبّ في مصلحة “حزب الله”.
وقد بدأت العلاقة تتحسّن بين الحزب و”الجماعة”، إثر انتخاب الشيخ محمّد طقوش أميناً عاماً للجماعة في لبنان في أيلول من العام 2020. وهو يعتبر مقرّباً من حركة “حماس” أكثر من قربه من جماعة “الإخوان” في تركيا. وقد التقى طقوش أمس الأمين العام للحزب حسن نصر الله، متوّجاً حالة التقارب والتحالف الحاصلة اليوم بين الجانبين.
وحسب بعض الدراسات المنشورة في مراكز أبحاث أميركية، فإنّ احتمالات نموّ التيّارات المتطرّفة داخل البيئة السنّية تزداد، خصوصاً أن هذه البيئة تعاني غياب الزعامة، وتشعر بالتهميش، ويعيش قسم كبير من خزّانها البشري، خصوصاً في الشمال وعكّار، فقراً مدقعاً وحرماناً مزمناً.
وطالما أن السعودية تنأى بنفسها عن الملفّ اللبناني، وتصرّ على بقاء سعد الحريري خارج اللعبة، فإنّ الساحة السنّية ستبقى عرضة للتجاذبات، إلّا إذا حصلت تسوية إيرانية سعودية حول لبنان. فعندها ستتبدّل كل التوازنات._