أسعار زيارة الطبيب في لبنان تسبّب المرض
أسوة بالفوضى التي تعم بالكثير من القطاعات في لبنان، لم ينأَ القطاع الصحي عن خط المواجهة، ليس من باب نقص الأطباء، أو غياب المعايير المحددة لمزاولة المهنة، بل من باب التكلفة والتعرفة.
تعتبر التعرفة الطبية المعيار الأساسي لزيارة الطبيب بالنسبة لأكثر من 70 في المئة من اللبنانيين. ولم تعد عملية اختيار الطبيب تقوم على أساس الكفاءة وحسب، بل أيضاً التكاليف التي سيتكبدها، خصوصاً وأن عملية تصحيح الأجور لا تناسب الأرقام التي يضعها بعض الأطباء، وهو ما يطرح علامات استفهام حول المعايير التي تخضع لها تكلفة المعاينة الطبية.
ولا يوجد معيار واضح حول رسوم التعرفة الطبية في العيادات أو المستوصفات. وتخضع في كثير من الأحيان لحسابات الطبيب نفسه، نتيجة عوامل عديدة، من ضمنها سنوات الخبرة، والتخصص. وعلى الرغم من أن وزارة الصحة ونقابة الأطباء يسعيان إلى تحديد هامش محدد من التعرفة المشتركة، على نحو متناسب بين المريض والطيب في أن معاً، لكن الواقع لا يزال مختلفاً.
حسب وزارة الصحة، فإن تعرفة العمل الطبي (في المستشفيات الحكومية) كانت تبلغ قبل الأزمة 7500 ليرة لبنانية أو 5 دولارات، أصبحت بموجب التعرفات الجديدة نحو 375000 ليرة لبنانية أو ما يعادل 4 دولارات، وهو ما يساوي ثمانين في المئة من التعرفات التي كان يتلقاها الطبيب اللبناني قبل الأزمة.
على أرض الواقع، الأمر مختلف كثيراً. منذ العام 2019، رفع الأطباء التعرفة بمعدلات تفوق معدل الأجور، أو دخل فئات كبيرة من اللبنانيين، وعلى مراحل مختلفة، ووصلت نسبة الزيادة إلى أكثر من 100 في المئة، بعدما كان متوسط التكلفة يتراوح ما بين 50 و75 ألف ليرة، وصل اليوم إلى ما بين ثلاثة ملايين و5 ملايين ليرة. اللافت في الأمر، ليس قيمة التعرفة بحد ذاتها، لأن السعر بالدولار لم يختلف كثيراً، بل الآليات لفرض التعرفة، إذ لا يوجد أي معيار قانوني -سواء كان ملزماً أم لا- يحدد آليات تسديد الرسوم الطبية.
وتنصّ المادة التاسعة من قانون الآداب الطبية على تحديد أتعاب الأطباء على النحو الآتي: عند تحديد أتعاب الطبيب يؤخذ في الاعتبار حالة المريض المادية والظروف الخاصة بكل حالة، مع التشديد على أن رسالة الطبيب تفرض عليه التعامل إنسانياً مع المريض. ومن هنا، لا يوجد أي معيار للأسعار.
تبدأ الرسوم على سبيل المثال، بالنسبة للطبيب العام من 50 دولاراً، وتصل إلى 100 دولار وأكثر. أما بالنسبة للأطباء المتخصصين، فتبدأ الأسعار من 80 دولاراً وتصل إلى 200 دولار. في بعض العيادات التخصصية، لا يقل سعر التكلفة عن 70 دولاراً، في حين أن المراجعة تصل إلى 50 دولاراً.
كما أ، الأسعار ليست موحدة بين الأطباء، وتختلف من منطقة إلى أخرى، ومن مستشفى إلى أخر. يشير أحد العاملين في القطاع الصحي، إلى وجود عوامل عديدة تحدد سعر التعرفة، من ضمنها المنطقة الجغرافية، سمعة الطبيب، إيجار العيادة، ورواتب العاملين فيها، بالإضافة إلى تكلفة الكهرباء والقدرة الشرائية للمواطنين. أي أن الطبيب في بعض المناطق المصنفة للأثرياء أو الأغنياء، لا يتقاضى التكلفة نفسها لطبيب يعمل في مناطق متوسطة أو في أحياء شعبية. فعلى سبيل المثال، لا يمكن لطبيب يعمل في أحد المستشفيات الخاصة المخصصة للفئات الميسورة أن يتقاضى أقل من 70 إلى 80 دولاراً، في حين أن هذه التكلفة قد تكون صعبة في المناطق الفقيرة نسبياً، أو في الضواحي، أو بعض المناطق البعيدة عن العاصمة.
أضافة إلى ذلك، فإن نقص الأطباء، بسبب الهجرة نتيجة الأوضاع المعيشية، وندرة بعض المتخصصين، ساهمت أيضاً في رفع الأسعار. ما يعني أن عوامل السوق من عرض وطلب لعبت دوراً في تحديد الأسعار.
من ناحية أخرى، الدولرة التي هيمنت على الاقتصاد اللبناني مجدداً، أتاحت للأطباء العودة تقريباً إلى الأسعار التي كانوا يحددونها قبل العام 2019، ما شجعهم على البقاء في لبنان، بل وشجعت الأطباء الذين هاجروا في السنوات الأخيرة على العودة. وهذا أوقف نسبياً نزيف هجرة أصحاب المهارات.
والمعاينة الطبية لا تناسب الوضع المعيشي، على الرغم من محاولات تصحيح الأجور. بالنسبة إلى موظف في القطاع العام، فإن زيارة طبيب متخصص في أحد المستشفيات، تعني أنه قد يضطر لتسديد ما لا يقل عن 30 في المئة من دخله. ما يعني بعبارة أخرى، أن راتب الموظف لا يكفي لزيارة طبيب ثلاث مرات في الشهر.