خاص- النازحون السوريّون يُخلون المناطق المسيحيّة إلى البيئات السنّية الحاضنة

خاص- النازحون السوريّون يُخلون المناطق المسيحيّة إلى البيئات السنّية الحاضنة

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24
19 حزيران 2024

بعد مقتل المسؤول القوّاتي باسكال سليمان وثبوت ضلوع سوريين في الجريمة، اشتدّت الحملة ضدّ النازحين السوريين، خصوصاً ضدّ أولئك الذين يقيمون في لبنان في صورة غير شرعيّة. ولكنّ هذه الحملة لا تقوم بها أجهزة الدولة في شكل مباشر، بل تقف وراءها الأحزاب، كالقوّات اللبنانية، ويدعمها التيّار الوطني الحرّ، وتبادر إليها البلديات، كلّ في نطاق عملها. وتتوزّع هذه البلديات في مناطق معيّنة، غالبيتها في المناطق المسيحيّة، كالمتن والكورة والبترون وزغرتا وزحلة وجزّين.
نظرياً، واستناداً إلى القانون اللبناني الذي ينظّم وجود الأجانب وإلى قانون العمل، وكذلك استناداً إلى أنّ لبنان ليس بلد لجوء بل بلد عبور، فإنّ معظم السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية هم مقيمون في شكل غير شرعيّ، ويحقّ للسلطات ترحيلهم. حتّى أنّ محافظ الشمال رمزي نهرا يعتبر في حديث إلى موقع beirut24 أن “السوريين المسجّلين لدى مفوّضية اللاجئين لا يحقّ لهم البقاء حسب القوانين اللبنانية ما لم يحوزوا على إقامة من الأمن العام”. وعليه، فإنّ أقلّ من نصف مليون سوري فقط من حاملي الأقامات أو إقامات العمل هم موجودون في شكل شرعي، ويمكن للسلطات الأمنية اللبنانية متابعة أماكن إقامتهم ودخولهم وخروجهم”.
يقول النائب في كتلة القوّات اللبنانية رازي الحاج لموقع beirut24 إنّ “الحملة الحالية التي تضغط منسقيّات القوّات في المناطق لتطبيقها، ما هي إلّا تنفيذ للقانون. فالشخص الذي لا يملك إقامة يُعتبر مخالفاً لقانون إقامة الأجانب، وبالتالي فإنّ وجوده غير شرعيّ”. ويشير الحاج إلى أنّ “مسحاّ أوّل بيّن أنّ عمليات ترحيل السوريين المقيمين في شكل غير شرعي، أدّت إلى انخفاض الأعداد في المتن من 150.000 شخص إلى 83.000. متوقّعاً انخفاض العدد بعد ستّة أشهر إلى النصف”. كما أعلن إقفال حوالى 500 محل تجاري في ساحل المتن كان يشغلّه سوريون خلافاً للقانون.
ولكن غالبية هؤلاء المرحّلين لا تتمّ إعادتهم إلى بلادهم. بل ينتقلون، بعد أن يتمّ إنذارهم بوجوب الإخلاء، إلى مناطق لبنانية أخرى. ويشير النائب الحاج إلى “عدم وجود نظام تتبّع لمعرفة الجهة التي يذهب إليها النازحون، بينما من المفترض ان يقوم الأمن العام بترحيلهم، وأن تحسم الحكومة أمرها في هذا الملفّ”. ولكن الحاج يشير إلى أنّ ” العديد من السوريين الذين تمّ ترحيلهم من مناطق في المتن، نقلوا أماكن عملهم أو انتقلوا إلى مناطق أخرى، حيث تُعتبر البيئة الشعبية أقلّ تشدّداً تجاه وجودهم”. ومتابعة لقرارات الإخلاء، يتمّ التركيز أيضاً على وجوب ألّا تستقبل المدارس في العام الدراسي المقبل التلامذة السوريين المقيمين بشكل غير شرعي. وهذا سينقل أيضاً ثقل تعليم السوريين من مناطق إلى مناطق أخرى.
أمّا شمالاً، فيقود المحافظ نهرا هذه الحملة، داعماً البلديات التي تطلب إخلاء السوريين. وأكد لموقع beirut24 أن “الحملة مستمرّة في كلّ من أقضية الكورة، وتحديداً بلدة كبّا، وفي البترون وزغرتا”، مشيراً إلى أن تجمعات للسوريين في نطاق بعض البلديات في البترون أُبلغت بضرورة الإخلاء خلال مهلة عشرة أيام، منها تحوم وعبرين وبشتودار ونهر الجوز”. ويشير نهرا إلى أنّ معظم السوريين الذين يتمّ إنذارهم يرحلون من تلقاء أنفسهم. وفي معظم الحالات، لا تضطرّ البلديات إلى الاستعانة بالقوى الأمنية أو استعمال القوّة.
وتمّ حتى الآن، حسب محافظ الشمال، ترحيل ما بين 7000 و8000 سوري من أقضية الشمال، وجرى ختم البيوت التي كانوا يقطنونها بالشمع الأحمر. وكانت عملية الإخلاء الأكبر في مجمّع الواحة في ددّه الكورة، والذي كان يضمّ حوالى 1500 شخص. كذلك تمّت عمليات إخلاء في كلّ من بطرّام وكوسبا في الكورة، على سبيل المثال.
ويقول نهرا إنّ “بعض أماكن إقامة السوريين قد تحوّلت إلى تجمّعات عشوائية تستهلك البنى التحتية، كما تشهد موبقات وتعاطياً للمخدّرات وترويجاً للدعارة، إضافة إلى امتلاك بعضهم للأسلحة، ما يهدّد الوضع الأمني”.
امّا المناطق الأخرى في الشمال، كطرابلس والمنية الضنيّة على سبيل المثال، فلم تطلب بلدياتها القيام بأي عمليات إخلاء للسوريين، ما يدلّ إلى الطابع المناطقي والطائفي الذي تتّخذه عمليات الترحيل. ولم يقدّم رئيس بلدية طرابلس أي إحصاء حول عدد السوريين المقيمين في نطاق المدينة، بعدما طلب منه المحافظ ذلك مرّات عدّة، فيما تعجّ عاصمة الشمال بأعداد كبيرة من الأعمال التي يديرها السوريون من دون إذن قانوني.
والسؤال الأساسي هو: إلى أين تذهب كلّ هذه الأعداد الكبيرة من السوريين؟
بالطبع، ليس إلى سوريا، باستثناء أعداد قليلة جداً. إنّهم ينتقلون، حسب المعلومات المتوافرة، إلى منازل أقارب لهم في القضاء عينه، أو يتوجّهون إلى مناطق أخرى بعيدة. ولوحظ أنّ أعداداً كبيرة من السوريين المرحّلين توجّهوا إلى القرى والبلدات في عكّار ذات الأغلبية السنّية. وأشار بعض الأرقام غير المؤكّدة إلى وصول حوالى 40 ألف سوري إلى مناطق مختلفة في عكّار.
يشار إلى أن هناك 3 أرقام متداولة رسمياّ لأعداد السوريين في لبنان. فالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين تتحدث عن رقم 780.000 تقريباً، يشكلون عدد المسجّلين لديها. أمّا الدولة فتقدّم رقماً تخطيطياّ، يجري على أساسه تقدير حجم المساعدات التي تقدّم عبر خطّة الاستجابة للأزمة السورية، وهذا الرقم هو مليون ونصف المليون سوري، فيما يشير الأمن العام إلى وجود مليونين و100 ألف سوري، من بينهم نصف مليون من العمّال في شكل شرعي.
هذه الحملة قد تشهد تراخياً في مراحل لاحقة. ولكن إذا ما استمرّت بالزخم عينه، فإنّها ستخلق واقعاً جديداً لتوزّع النازحين في الأراضي اللبنانية، بحيث يخفّ العدد كثيراً في المناطق المسيحية، ويتكثّف في المناطق السنّية، بما يشبه الفرز الطائفي الذي لا يمكن معرفة تبعاته.