300 إصابة هذا العام: جيران الزوق يتوارثون السرطان «أباً عن جدّ»

300 إصابة هذا العام: جيران الزوق يتوارثون السرطان «أباً عن جدّ»

المصدر: الاخبار
15 حزيران 2024

عندما أُنشئ معمل الزوق في خمسينيات القرن الماضي، لم تكن اللعنة قد حلّت بعد، إذ كان خطره معدوماً نظراً إلى كونه يعمل على البخار، وكانت الأراضي حوله مصنّفة زراعية، وبقيت على تلك الحال، يزرعها السكان ويأكلون منها، إلى أن بدأ كل شيء يتغيّر مع تحويل التشغيل من البخار إلى الفيول. مع هذه «النقلة»، تغيّرت معالم المنطقة، وبدأت شكاوى السكان الذين تكاثرت أعدادهم في محيط المعمل من السحابة السوداء التي تنفثها الدواخين على مدار الساعة. شيئاً فشيئاً، كلما كان «معمل الموت» يكبر عاماً، كان السرطان يتمكّن من المنطقة، إلى أن صار جيران المعمل يتوارثونه أباً عن جدّ.في دراسة أجرتها مجموعة من الأطباء في مستشفى سيدة لبنان، من بينهم طبيب أمراض الرئة بول مخلوف، وامتدت بين عامي 1990 (بعد نحو سبع سنوات من تحويل المعمل إلى الفيول) و2014، لرصد أسباب زيادة الدخول إلى المستشفيات بين جيران معمل الزوق بسبب الأمراض الصدرية والحساسية، تبيّن أن نسبة الإصابة بالأمراض السرطانية ترتفع بمعدل 1.5 إلى 3% سنوياً. ويؤكد مخلوف أن الدراسة التي لا تزال مستمرة تواصل تسجيل أرقام «لا تزال غير نهائية، خصوصاً مع تغيّر الكثافة السكانية حول المعمل بسبب هجرة كثيرين»، لكنّ الثابت أن من بقي «ورث السرطان مع البيت من أهله».
ورغم وجود قرار رسمي بوقف العمل نهائياً بالمعمل والانتقال تباعاً إلى معمل جديد يعمل بمحرّكات عكسية، إلا أن الأزمة المالية واستيراد أنواع فيول غير مطابق أدّيا إلى توقف المعامل الجديدة وإعادة معمل الزوق القديم إلى الخدمة مؤقتاً في آب 2022 كتدبير استثنائي للمساعدة في إنتاج الطاقة، بحسب ما لفتت شركة كهرباء لبنان في بيان حينذاك. وبعد اعتراضات من الأهالي، توقف العمل مرة أخرى في أيلول من العام نفسه، ثم أعيد تشغيله مجدداً قبل أن يتوقف، وقد يعاد تشغيله في أيّ لحظة بسبب استمرار الأزمة. وهذا ما يجعل الأهالي يعيشون خوفاً مستمراً من المعمل الذي يسوقهم إلى الموت، بتغطية رسمية، لتسبّبه بتلوث مضاعف نظراً إلى تخطيه العمر المسموح به للتشغيل والمحدّد بثلاثين عاماً، ولتشغيله ثانياً بصيانة أقل. ولكل تلك الأسباب، ‎لا يزال السرطان يفتك بجيران المعمل حتى اللحظة، وفق مخلوف. وهو أشبه ما يكون بالعدوى، وتزداد نسب الإصابة به كلما كان مكان السكن أقرب إلى المعمل، إذ إن «معظم الذين شُخّصت لديهم إصابات بالسرطان هم من المقيمين في جوار المعمل منذ فترة طويلة، ومن المعرّضين مباشرة للتلوّث الذي زاد في الفترات الأخيرة بسبب رداءة نوعية الفيول المستخدم».

صحيح أن محرّكات المعمل مُطفأة، إلا أن دورانها المؤقت يبعث بسمومٍ تستمرّ طويلاً قبل أن تختفي آثارها، فهذا المعمل، بحسب المعنيين، بات ضرره أكبر من قدرته على إنتاج الطاقة الكهربائية، بسبب قدمه وتراجع الصيانة فيه. لذلك، لا يزال مخلوف يرقب نموّ المرض الخبيث الذي تخطّت أعداد المصابين به في المنطقة هذا العام الـ300 إصابة، مع زيادة «7,5 إلى 8% في أعداد المصابين بسرطان الرئة عن العام الماضي، فيما الزيادات في بقية أنواع السرطان (سرطان البروستات والمبولة والجلد) تراوح بين 1.5 و3%». ويعزو الزيادة العليا للإصابات بسرطان الرئة إلى العيش داخل «فقاعة من التلوث، حيث ينام هؤلاء ويستيقظون متل اللي عم يدخّنوا عطول». ويلفت إلى أن هذه الأرقام «تتعلق فقط بمن يتلقون العلاجات أو من عرفوا بمرضهم»، فيما هناك كثر لم يكتشفوا إصابتهم بعد، وذلك لسببين أساسيين، بحسب مخلوف، أولهما أن «الحالة الاجتماعية المادية للبعض تمنعهم من إجراء الكشف المبكر»، وثانيهما وهو الأخطر، أن الناس اعتادوا جيرة معمل الموت، «فإذا سعل أحدهم يقول من الزوق وإذا آلمه صدره يقول من الزوق، وفي غالب الأحيان، ينتظر هؤلاء حتى يبصقوا الدم ليعترفوا بأن الزوق قتلهم».