خطّة إعادة النازحين: الكذبة الكبرى
تعهّدت الحكومة العمل بتوصية مجلس النواب المتعلّقة بالنازحين السوريين، والتي تضع هدفاً لها، هو إعادة النازحين السوريين غير الشرعيين إلى بلادهم في خلال مدّة أقصاها سنة. ووضعت خارطة طريق لتحقيق ذلك، تتألّف من 9 نقاط. ولكن المفارقة أنّ أعضاء الحكومة والبرلمان معاً يعرفون أنّ التوصيات غير قابلة للتنفيذ، وهي أشبه ما تكون بكذبة كبيرة.
وإذا ما فنّدنا هذه التوصيات، فمن السهل جدّاً اكتشاف أنّها مجرّد كلام بكلام. فتنفيذ معظمها ليس في يد لبنان أصلاً، إنّما في يد سوريا والمجتمع الدولي في شكل أساسيّ.
وتنصّ أولى التوصيات على تشكيل لجنة وزارية لبنانية للتواصل مع الحكومة السورية ووضع برنامج زمني وتفصيلي لإعادة النازحين. وكأن في مقدرة لبنان فرض أيّ برنامج للعودة، ما دام النظام السوري لا يريد استعادة المواطنين السوريين. وإذا فعل، فهو سيستعمل النازحين ورقة ضاغطة في اتجاه المجتمع الدولي بهدف إلغاء العقوبات عليه، والحصول على أموال لإعادة الإعمار، واستعادة شرعيته الدولية، من دون أن يقدّم أيّ تنازل في ملف الحلّ السياسي في سوريا.
وإذا كان من الهباء العمل على هذا البند من جانب لبنان وحده، فإنّ معوّقات أقلّ أهميّة من ذلك بكثير لا يمكن للبنان أن يتحكّم بها. فالمفوضية العليا لشؤون اللاجئين على سبيل المثال هي التي تفرض شروطها على الدولة، وليس العكس. ووصل الأمر بالمفوضية إلى إرسال رسالة إلى وزارة الداخلية، تعبّر فيها عن “القلق إزاء عمليات الإخلاء القسرية للسوريين”، وما ستؤدي إليه من “تداعيات إنسانية خطيرة”. وهذا ما دفع وزارة الخارجية إلى دعوة المفوضية لسحب رسالتها، و”عدم التدخل بالصلاحيات السيادية للبنان”.
فكيف سيتمكّن لبنان إذاً من جعل المفوضية تنفّذ مضمون مذكرة التفاهم الموقّعة بينها وبين الحكومة اللبنانية في أيلول 2003، والتي تؤكد إعادة النازحين إلى موطنهم الأصلي أو إعادة توطينهم في بلد ثالث، على اعتبار أن لبنان ليس بلد لجوء؟
حتّى أنّ المفوضية لم تسلّم الحكومة حتى الآن الداتا الكاملة المتعلّقة بالنازحين، ولم تتجاوب مع طلب لبنان الحصول على معلومات عن تواريخ دخول النازحين إلى أراضيه، على اعتبار أنّ من دخل بعد العام 2015 ترك سوريا لأسباب اقتصادية، وليس هرباً من الحرب.
أمّا العودة الطوعيّة التي ينظّمها الأمن العام، فهي أتت أساساً بعد توقّف لسنة ونصف السنة، وشكّلت محاولة لامتصاص النقمة الشعبية، بعد سلسلة حوادث أمنية، وفي ظل اتّهام الحكومة بقبول رشوة المليار يورو لإبقاء النازحين في لبنان. وهي في النهاية لا تشكل نقطة في بحر النازحين الذي يقارب عددهم المليونين.
وفي توصية مجلس النواب أيضاً ما ينصّ على إجراءات أمنية يجب تنفيذها، من مثل التزام القوانين التي تنظّم الدخول إلى لبنان والإقامة فيه والعمل على أراضيه. وهذا واجب الدولة أساساً، ولا يحتاج إلى توصيات. ولكن لا أحد يعرف لماذا لم تقم الدولة بواجبها هذا؟ وتضاف إلى ذلك صعوبة ضبط الحدود المشرعة على التهريب بكل أنواعه. وقد دعت التوصية إلى تقديم مساعدات للقوى الأمنية والعسكرية للتمكّن من مراقبة الحدود، لكن الحلّ ليس هنا، لأنّ الموضوع سياسي، ومن غير المسموح أن تكون الحدود مضبوطة.
في الواقع، لم تنسَ التوصية أيضاً أن تنقل وجهة نظر النظام السوري الذي يربط العودة بإعادة الإعمار وتقديم المساعدات لتأهيل البنى التحتية. وهذا لا يمكن أن يتمّ من دون إلغاء العقوبات التي ينصّ عليها قانون قيصر. وهذا ما تسوّق له سوريا. ويساعدها لبنان للترويج لهذه الفكرة، بعدما طرحها الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله أخيراً.
ومن أجل الضغط لحصول ذلك، أكد البند الثامن من توصية مجلس النواب أنّ لبنان لم يعد يحتمل جعله سدّاً أمام انتقال النازحين، وأنّ مهمّته لن تكون حماية حدود هذه الدول من الهجرة، في ترجمة لدعوة نصر الله إلى فتح البحر أمام النازحين الذين يريدون المغادرة إلى أوروبا.
وهكذا، يبدو أنّ الخطة المحكي عنها ليست سوى ورقة غير قابلة للتنفيذ. وجلّ ما يمكن أن ينتج عنها هو تشدّد موقت تجاه النازحين المخالفين. إذ من الصعب إحصاء المقيمين السوريين غير الشرعيين، حيث قالت لجنة المال النيابية إنها أنجزت “قانون تنظيم النازحين الداخلين في شكل غير شرعي”. ولكن هذا القانون في حاجة إلى سلّة تشريعات، والأهمّ أنّه في حاجة إلى دولة قويّة، تضمن أنّ من تمّ ترحيله لن يعود من جديد عبر طرق التهريب الكثيرة.