خاص- ما أسباب التخبّط لدى جبران باسيل؟
يعيش رئيس التيار الوطني الحرّ النائب جبران باسيل في الآونة الأخيرة حالة من “انعدام الوزن” بالنسبة إلى علاقاته مع الأفرقاء اللبنانيين، وعلى رأسهم “حزب الله”، وكذلك بالنسبة إلى التشرذم الحاصل داخل التياّر نفسه. وهذه الوضعية المهتزّة تجعل من الصعب على باسيل تحديد تموضعه الحاليّ، بعد التغييرات التي ظهرت في مواقفه الأخيرة من الحرب في الجنوب ووحدة الساحات، وصولاً إلى ضياع البوصلة إزاء ملف الانتخابات الرئاسية، التي أصبحت مرتبطة بالحرب في غزّة. ولا يمكن معرفة التوازنات التي سترسو عليها الساحة الداخلية بعد انتهاء هذه الحرب، والتسويات التي يمكن أن تحصل لاحقاً في موضوع الجنوب.
يشعر باسيل بأنّ أفضل ما يمكنه فعله اليوم هو الانتظار، بعدما أطلق مواقف مختلفة ومتناقضة أحياناً، علّه يكسب رضا الغرب، وفي الوقت عينه لا يقطع الحبل نهائياً مع الحزب. كما حاول فتح خطوط مع بكركي، ورفع الصوت ضدّ وجود النازحين السوريين، ولم ينسَ التذكير بحقوق المسيحيّين الضائعة.
في هذا الوقت، يعمل رئيس التيّار على تحصين ساحته الحزبيّة الداخليّة، بعد طرد النائب الياس بو صعب بسبب آرائه المتمايزة. ويَنتظر كلّ من النواب ابراهيم كنعان وسيمون أبي رميا وآلان عون على الطريق نفسه، بحيث أصبح خروجهم أو إخراجهم من التيّار مسألة وقت. وقد أقرّ المجلس الوطني للتيّار تعديلات على النظام الداخلي تكرّس هيمنة باسيل على القرارات. وأبرز التعديلات تشمل اختيار المرشحين للانتخابات النيابية والتشدّد في التزام القرارات الحزبية.
صحيح أنّ الإجراءات الجديدة تتيح لباسيل إحكام قبضته على قرارات التيّار، لكنّها في الوقت عينه قد تنعكس عليه سلباً في الانتخابات النيابية المقبلة، على اعتبار أنّ لكلّ من النواب بو صعب وكنعان وعون وأبي رميا حيثيته الخاصة وشعبيته في المتن وبعبدا وجبيل. ويمكن لهؤلاء النواب أن يشكّلوا مثلاً لوائح مع مرشّحين أقوياء في هذه الدوائر، وأن يأخذوا أصواتاً من أمام التيار.
وإلى المشكلة الداخلية، لدى التيار اليوم مشكلة في علاقته مع الأطراف الأخرى، وتحديداً مع الحزب، حيث تمكّن عبر التحالف معه في 2006 في كنيسة مار مخايل، من إيصال العماد ميشال عون إلى سدّة الرئاسة، في مقابل الدعم الذي قدّمته بعبدا في ملفّات استراتيجية كثيرة، سواء في حرب تموز أو في الحرب في سوريا على سبيل المثال.
ولكن هذه العلاقة تبدّلت بعد انتهاء ولاية الرئيس عون، وشهدت مدّاً وجزراً على خلفية تسمية الحزب لسليمان فرنجيه كمرشّح للرئاسة، وليس لجبران باسيل الذي يعتبر نفسه أولى بهذا المنصب. وحصلت تمايزات عدّة بسبب جلسات مجلس الوزراء والموقف من الجلسات التشريعية والتمديد لقائد الجيش. لكن الخلاف بلغ ذروته مع اندلاع الحرب في غزّة، وفتح جبهة الجنوب للمساندة. فقد وصل الأمر بباسيل أن أعلن رفض مبدأ وحدة الساحات، وأيّده الرأي الرئيس السابق ميشال عون. وقال باسيل أيضاً، الذي سبق أن تلقّى من الحزب في العام 2009 قذيفة كهديّة إلى “المقاوم جبران باسيل”، إنّ “حزب الله هو من خرج من التفاهم حين تخلّى عن بناء الدولة والشراكة وتخطّى سقف حماية لبنان”.
ولكنه عاد ليكتب على منصة X أنّ “وثيقة التفاهم لا تسقط وتبقى صالحة بأفكارها، لكنّها بحاجة إلى تطوير”. ودافع من جديد عن سلاح الحزب “على طريقته”، قائلاً: “من يريد أن يسحب سلاح حزب الله، عليه رفع الحظر عن تسليح الجيش”.
يعتبر باسيل أنّه دفع شخصيّاً كثيراً من الأثمان في مقابل دعمه الحزب. فقد فرضت وزارة الخزانة الأميركية في العام 2020 عقوبات عليه، ووضعته على اللائحة السوداء استناداً إلى قانون ماغنيتسكي، بسبب الفساد وتسهيل أنشطة حزب الله. كما أن التحالف مع الحزب انعكس تراجعاّ في شعبية التيار في الأوساط المسيحية، خصوصاً بعد انتهاء عهد الرئيس عون. كما خسر التيار في الانتخابات النيابية الأخيرة عددا من مقاعده في البرلمان.
واستناداً إلى ذلك، يعتبر باسيل أنّ له ديناً مع الحزب يجب ردّه. لذلك، هو يعمد إلى المناورة أحياناً في إطلاق المواقف المعارضة للحرب، أو في محاولة التقرّب من الأحزاب المسيحية ودعوة بكركي إلى رعاية حوار مسيحي، او رفع السقف في موضوع اللامركزية الإنمائية الموسّعة وحقوق المسيحيين.
لكن “حزب الله” منشغل عنه اليوم بقضايا إقليمية أكبر. ولن يقرّر ماذا سيفعل في تحالفاته الداخلية قبل اتضاح مسار الحرب في غزّة وأفق الترتيبات الممكنة في الجنوب. وعندها لكل حادث حديث.