خاص- مؤتمر بروكسيل: مساعدات لعدم العودة

خاص- مؤتمر بروكسيل: مساعدات لعدم العودة

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: beirut24
27 ايار 2024

لم يقدّم مؤتمر بروكسيل حول النازحين في نسخته الثامنة أيّ جديد، لا على صعيد المساعدات ولا على الصعيد السياسي. ما تغيّر هذه المرّة أنّ ملفّ النازحين أصبح أكثر ثقلاً على الدول المضيفة، وفي مقدّمها لبنان. كما أنّ الدولة الأمّ، أي سوريا، قرّرت إطلاق مرحلة الابتزاز السياسي تجاه الغرب، مستخدمة ورقة النازحين التي احتفظت بها من أجل هذه اللحظة.
في الشقّ المتعلق بالمساعدات المقدّمة للنازحين والدول المضيفة، لا حماسة كبرى لدى الدول المانحة لزيادة الأرقام. لا بل هناك انخفاض في المبلغ الذي سيُرصد، والذي ناهز العام الماضي 4.5 مليارات يورو، سيصل إلى لبنان منها أقلّ من مليار. وقد خفّضت كلّ من الولايات المتحدة وألمانيا مساهمتهما للعام 2024.
أمّا في الشقّ السياسي، فالاعتبارات مختلفة لدى كلّ من المجتمع الغربي وأوروبا تحديداً، والدول المضيفة، وصولاً إلى بلد النزوح. ولكل طرف أجندته التي يحاول فرضها على المجتمعين. ولكن المفارقة أنّ هذه الأجندات تتضارب، لدرجة تجعل الوصول إلى مسار حلّ لملف النازحين أمراً في غاية الصعوبة في الوقت الراهن.
ما يهمّ الاتحاد الأوروبي في الدرجة الأولى هو منع تدفّق اللاجئين إلى أراضيه التي شهدت في بداية الحرب السورية موجة هجرة كبيرة. وقد استبق كل من قبرص واليونان وإيطاليا هذا المؤتمر بلقاءات عقدها المسؤولون في هذه البلدان مع الدول المضيفة. وكان للبنان الحصة الأكبر، بعدما اشتكت قبرص في الآونة الأخيرة من وصول دفعات من المهاجرين غير الشرعيين إليها عبر الشواطئ اللبنانية. كما أن الاتحاد الأوروبي حاول الالتفاف على ما يمكن أن يُطرح في مؤتمر بروكسيل من خلال تقديم ما وُصف بالرشوة للبنان من أجل منع النازحين من التوجه إلى القارة الأوروبية. ولا ننسى هنا ما أثاره موقف البرلمان الأوروبي قبل عام، والذي صوّت على قرار يدعم بقاء النازحين السوريين في لبنان.
أمّا الموقف اللبناني فضعيف، على رغم محاولات إظهار الحزم. ويذهب الوفد الرسمي اللبناني إلى المؤتمر متسلّحاً بالتوصية الأخيرة الصادرة عن مجلس النواب، والتي تعتبر أنّ لبنان بلد عبور وليس بلد لجوء. ولكن الوفد يواجه تحدّيات عدة، أوّلها أن نظام الأسد يريد من لبنان أن يثير موضوع استبعاد سوريا التي تتمثّل بمجموعات من المجتمع المدني. كما يريد منه عدم التصويت مع أي قرار يضرّ بسوريا. وتحت الضغط السوري، تمّ تخفيض التمثيل اللبناني من رئيس الحكومة إلى وزير الخارجية الذي يترأس الوفد اليوم.
ولكن لبنان في المقابل، يعيش المعاناة الأكبر من وجود النازحين السوريين على أراضيه، من النواحي الأمنية والديموغرافية والاقتصادية. ولا يمكن لبلد يساوي عدد النازحين فيه نصف السكان أن يتحمّل وزر القضية بأكملها، وأن يكون الناطق باسم النظام السوري، والعامل الضاغط لمصلحته في علاقته مع الغرب وفي المطالبة بإلغاء قانون قيصر وسلسلة العقوبات، فيما يكاد البلد ينفجر بما يشكلّه النزوح من ضغوط هائلة عليه.
وما يزيد الضغوط هو الكلام الأخير للأمين العام لـ “حزب الله” حس نصر الله الذي دعا إلى فتح البحر أمام النازحين من لبنان في اتجاه أوروبا، من أجل الضغط عليها والمساعدة في إلغاء مفاعيل العقوبات على سوريا. ولفت حديث لوزير المهجرين عصام شرف الدين قال فيه إنّ غالبية النازحين السوريين في لبنان يفضّلون خيار التوجّه إلى دولة ثالثة. معتبرا أنه يمكن للنازحين أن يتوزعوا على 194 دولة منضوية تحت لواء معاهدة حقوق الانسان. ويعكس هذا الكلام في الواقع الرغبة السورية في عدم اعادتهم بالمطلق، حيث يفضّل النظام أن يرتاح من ثقل أعداد كبيرة من المواطنين السنّة. وهو يحاول أن يربط عودتهم بإعادة الإعمار.
ويضع المجتمع الغربي في الموازاة عوائق كثيرة أمام إعادة النازحين السوريين، منها ضمان عدم تعرّضهم للأذى، او ما يُعرف بالعودة الآمنة. وسيتمّ التطرق، بمبادرة من قبرص، إلى إمكان تحديد أماكن آمنة في سوريا تسمح بعودة النازحين إليها. ولكن ذلك سيبقى مجرد نقاش لا يُترجم على أرض الواقع، طالما أنّ النظام السوري يريد الثمن السياسي مقابل البحث في الملف. وهذا الثمن هو إضفاء الشرعية عليه من جديد من قبل الغرب الذي لا يبدو مستعداً لأمر مماثل، بل هو يريد التوصل إلى حلّ سياسي للأزمة السورية وإقرار دستور جديد، قبل أي كلام آخر.
إذا، لن يختلف مؤتمر بروكسيل اليوم عن المؤتمرات السابقة من حيث النتائج والتوصيات. بل هو سيكتفي بتغذية استمرار النزوح بالحدّ الأدنى من التمويل، بعدما صارت لدى الدول المانحة متوجّبات أخرى في أماكن أخرى من العالم تحتاج إلى الدعم.