خاص – واشنطن تضع خيار فرنجية قيد البحث
تؤكّد معلومات واردة من العاصمتين الأميركية والفرنسية أنّ واشنطن وباريس تكثّفان حالياً جهودهما الاستثنائيّة، بهدف الدفع لانتخاب رئيس للجمهورية في لبنان في وقت قريب. وتتقاطع لدى كلّ من البلدين أسباب تجعلهما يعيدان الزخم إلى هذا الملفّ المجمّد. وظهر هذا الاتجاه جليّاً بعد اجتماع سفراء اللجنة الخماسيّة الأخير الذي انعقد في السفارة الأميركية في عوكر، حيث أشار البيان الصادر عن الاجتماع للمرّة الأولى إلى مهل وتواريخ، ودعا إلى إجراء مشاورات محدودة بين الكتل النيابية، تمهّد لعقد جلسات مفتوحة بدورات متعدّدة، وصولاً إلى انتخاب الرئيس.
وتقول المعلومات إنّ الولايات المتحدة كانت متريّثة في الملف الرئاسي اللبناني، على اعتبار أنّه مرتبط بانتهاء الحرب في غزّة وبالإجراءات التي ستُتّخذ في الجنوب. ولكنّها بدّلت رأيها بعد الفشل في التوصل إلى هدنة في القطاع. ولم ترَ مانعاً في مجاراة الموقف الفرنسي الداعي إلى حلّ أزمة الرئاسة بمعزل عن انتظار انتهاء الحرب في غزّة. وما عزّز توجّه واشنطن إلى تقديم الملفّ الرئاسي اللبناني، هو أوّلاً رغبتها في الانتهاء من هذا الموضوع قبل الانتخابات الرئاسية الأميركية، خصوصاً بعدما شعرت أنّ الهدنة في غزّة بعيدة المنال، وثانياً اقتناعها بوجوب وجود رئيس في لبنان، كي يوقّع أيّ اتفاقات لاحقة يتم التوصّل إليها مع إسرائيل، خصوصاً تلك المتعلّقة بترسيم الحدود.
وعليه، فإنّ واشنطن لا ترى ضيراً في العمل بوجهة النظر الفرنسية القائلة بالفصل بين ملفّي الجنوب والرئاسة، خصوصاً أنّ لبنان رفض الورقة الفرنسية التي حملها وزير الخارجية ستيفان سيجورنيه في زيارته الأخيرة لبيروت، والتي تنصّ على ترتيبات تتعلّق بعودة الهدوء إلى الحدود اللبنانية الإسرائيلية. فلا ضير في هذه الأثناء من تفعيل المساعي المتعلّقة بالأزمة الرئاسية.
واستناداً إلى هذا التطوّر في الموقف الأميركي، تستعدّ باريس لتزخيم اتّصالاتها من جديد. ويحضّر الموفد الفرنسي جان إيف لودريان نفسه للقيام بزيارة جديدة للبنان قد يحدَّد موعدها في وقت قريب. وتفيد مصادر إعلامية في باريس بأنّ الرئيس إيمانويل ماكرون مهتمّ شخصياً بموضوع لبنان، ويريد أن تضطلع فرنسا بدور أساسيّ في الحلّ، خصوصاً في ملفّ الرئاسة الذي عملت عليه الإليزيه طويلاً.
ولكن المشكلة التي ستواجه هذا المسعى هو أّنّ “حزب الله” نفسه يربط ملف الرئاسة بالترتيبات الأمنية في الجنوب. وأي اتفاق سيتمّ التوصل إليه برعاية الموفد الأميركي آموس هوكشتاين، سيكون له ثمن يقبضه الحزب في الداخل اللبناني، وتحديداً في الملفّ الرئاسي. وسيجري نقاش جديد في بنود الورقة الفرنسية أو في مقترح هوكشتاين، اللذين يُدخلان في الواقع تعديلات على القرار 1701 من أجل ضمان تنفيذه.
أمّا عن الثمن الذي يريده الحزب في مقابل سحب قواته والسلاح الثقيل من مسافة معيّنة عن الحدود، وهو ما رفضه حتّى الآن، فيبقى غير واضح تماماً. فهل يكتفي بإعادة الفضل إليه في استرداد أراضٍ لبنانية محتلّة بعد ترسيم الحدود، أم يريد ضوءاً أخضر لزيادة نفوذه وهيمنته في الداخل اللبناني؟
يعتبر مساعد وزير الخارجية الأميركي السابق دايفيد شينكر في مقال له أنّ “ترسيم الحدود قد يبدو مقايضة كافية. لكن حزب الله قد لا يرغب فعلياً في حلّ النزاع الحدودي، لأنّ السبب الواضح لوجوده هو محاربة الاحتلال الإسرائيلي”. ويعتبر أنّ “إنجازاً آخر يلاقي استحساناً أكبر لدى الحزب، وهو تعيين سليمان فرنجية رئيساً. ويبدو أنّ واشنطن مستعدّة للنظر في إمكان تقديم هذا التنازل”.
وقد يستغّل الحزب هذا الوضع من أجل الحصول على مكتسبات أكبر، فيعمد إلى التصعيد في الجنوب، علّه ينال تنازلات أميركية في الملف الرئاسي. ولكن لدى إسرائيل أيضاً القدرة على التصعيد، بما يجعل الحزب يقبل بالشروط الواردة في الورقتين الأميركية والفرنسية، وأهمّها انسحاب قوات الرضوان وسحب الأسلحة الثقيلة، ونشر الجيش وإعطاء صلاحيات أكبر لقوات اليونيفيل.
يعتبر الحزب أنّ الوضعيّة الأفضل بالنسبة إليه هي العودة إلى ما كان سائداً قبل 7 تشرين الأوّل، حيث كان يحتفظ بحرية الحركة في الجنوب، ما سمح له بتعزيز ترسانته العسكرية. كما يرنو إلى اتفاق شبيه باتفاق الدوحة في العام 2008، الذي أتاح له عملياً إحكام قبضته على السلطة والحكومة، وصولاً إلى انتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية في العام 2016.
ولكن الصورة قد لا تكون مشابهة اليوم، حيث ترفض إسرائيل أيّ ترتيبات أمنية، ما لم تضمن تنفيذها مئة في المئة. فعملية “طوفان الاقصى” بدّلت في المعايير الأمنية لدى الدولة العبريّة. وهي غير مستعدة لخوض تجربة مماثلة عبر حدودها الشمالية. ولا يهمّها ما ستقدّمه واشنطن من إغراءات للحزب في مقابل ضمان ذلك.