صحّة الأطفال بخطر… حليب الرضع يحتوي على دهون مُشبعة وزيوت مُهدرجة: الطفل عرضة للإصابة بأمراض القلب والسكري وهشاشة العظام لاحقاً!
ليس غريبا على أصحاب الذمم الواسعة والايادي الملوثة بتبييض الأموال والتزوير والعبث بصحة الناس، المسّ أيضا بغذاء الرضع والأطفال. فعندما يغيب ضمير الإنسان يتدنى مقامه الى أبشع مستوى، بحيث يصبح وحشا بشريا مجرد من الاخلاق والعاطفة البشرية.
لم يعد خافيا على أحد ان السلامة الغذائية على المحك، وفصول الغش باتت تشمل مجموعة من الممارسات غير القانونية، التي تؤثر في الصحة العامة والاقتصاد. وهذا التلاعب يدنّس جودة وأمان الأطعمة، لا سيما منتجات الرعاية الصحية، مما يعرض حياة الناس للخطر.
بالموازاة، لم ينس الناس بعد فضيحة خلط الالبان بالجفصين والكلس والنشاء والزيوت النباتية المهدرجة، حتى ظهرت الى العلن منذ فترة قصيرة قضية تزييف المتممات الغذائية غير المطابقة للمواصفات، بما في ذلك الادوية المزورة واللحوم المغشوشة. والطامة الكبرى التي هزت الشارع اللبناني مؤخرا تتمثل بلجوء “مافيا تجار الازمات” الى البحث عن طرق جديدة لتحقيق مزيد من الأرباح المادية، فتلاعبوا هذه المرة بحليب الأطفال.
إشارة الى ان بعض أصحاب الصيدليات قاموا بعقد صفقات وهمية مع هؤلاء، لكسب أرباح إضافية على حساب عافية الرضع.
ماذا يجري في الأسواق اللبنانية؟
وفي الإطار، لا تزال فضائح الغش تتوالى لتطال مؤخرا الفئة الأكثر هشاشة. وفي دراسة صادمة أعدها عدد من الأكاديميين في المجلس الوطني للبحوث العلمية، كشفت عن مواد خطرة في حليب الأطفال.
وفي التفاصيل، “تبيّن أن بعض منتوجات الأطفال في لبنان تحتوي في كل 100 غرام على 80% من الدهون المشبّعة، والتي تحتوي بدورها على زيوت مهدرجة وصلت نسبتها إلى 45%، إضافة إلى وجود سكر مضاف تخطّى الـ 5% في الحليب المخصص للأولاد بين العمر سنة والثلاث سنوات”.
وفي هذا المجال، قالت الأمين العام للمجلس الوطني للبحوث العلمية الدكتورة تمارا الزين لـ “الديار”: “لا تعليق على هذه المسألة حاليا، لأنها اصبحت في عهدة النائبة عناية عز الدين بصفتها رئيسة “لجنة المرأة والطفل النيابية”، وهي تلاحق هذه القضية مع الأطراف المعنية”. واستكملت “ان الإجراءات التي تخص المنتجات لا صلاحية لنا فيها كمجلس وطني، والنائبة عز الدين تتابع هذا الموضوع تحديدا للوصول الى تسوية، وطبعا الحلول ليست في يد العلميين”.
“خلطة غير قانونية!
بدوره، أوضح أحد الصيادلة لـ “الديار” ان “الغش في أطعمة الرضع هو تغيير غير قانوني أو معلن في مكونات المنتجات الغذائية الموجهة لهذه الفئة العمرية، وهذا التحايل يمكن أن يعرقل نضجهم، حيث تزاد مواد مؤذية مثل السكر المضاف بكميات كبيرة، أو الدهون المشبعة، أو الزيوت المهدرجة، أو المواد الكيميائية الضارة”.
واكد “ان هذا الخليط يمنع نمو الطفل الذي يحتاج في الأشهر الأولى من حياته إلى تغذية صحيحة ومتوازنة، لدعم تطوره بشكل سليم. اما إذا تم تقديم غذاء مغشوش له، فقد يتعرض لنقص في التغذية اللازمة، مما يلحق الاذى بصحته العامة وتقدمه جسديا وعقليا”.
واكد ان “المطلوب من المعنيين تشديد الرقابة وتنفيذ القوانين المتعلقة بالسلامة الغذائية والصحية، بالإضافة إلى توعية المستهلكين حول كيفية التحقق من جودة وأمان المنتجات التي يشترونها، لان الغذاء الذي يتضمن نسب عالية من الدهون المشبعة والزيوت المهدرجة والسكر المضاف، يشكل خطرا على الرضع، مثل مضاعفة خطر الإصابة بالسمنة، وارتفاع ضغط الدم، واختلال في مستويات الكولسترول، وزيادة خطر الإصابة بأمراض القلب في وقت لاحق من الحياة. لذلك، أنصح بتقليل استهلاك هذه الانواع والبحث عن بدائل ناجعة تمتلك عناصر غذائية متوازنة ومناسبة للأطفال”.
أمراض مُستعصية خلال مراحل الطفولة
من جانبها، كشفت اختصاصية التغذية جاكي قصابيان لـ “الديار” عن “فظاعة المضافات الغذائية التي تضم الدهون المشبعة والدهون المتحولة والملح والسكر، حيث تدمج جميع هذه المواد مع الأطعمة المخصصة للأطفال”. وأوضحت قائلة: “من المؤكد ان الأولاد بحاجة الى نسب محددة من الدهون الجيدة من اجل سلامة دماغهم”، مشيرة الى “ان نسبة الدهون التي نستهلكها عموما ليست صفر، انما تلك المهدرجة او المتحولة فهي حتما غير مأمونة”.
وأشارت الى “ان الدراسات اكدت ان استهلاك الأطفال او الرضع هذا المزيج (الدهون والزيوت المهدرجة والسكر)، قد يؤدي الى الإصابة مستقبلا بأمراض مزمنة كالقلب وتصلب الشرايين بنسبة مرتفعة جدا، وقد يحدث ذلك في السنوات الأولى من حياتهم. فوق ذلك قد يكون الولد من عمر السنة وما فوق عرضة للإصابة بمرض السرطان”.
واردفت “بينت دراسات أخرى ان البعض قد يكابد من مرض هشاشة العظام، الذي لا يمكن اكتشافه في مرحلة الطفولة المبكرة، بسبب تناول الأطعمة الغنية بالدهون والزيوت التي تمنع امتصاص الكالسيوم في الأمعاء، لذلك قد يصاب الولد بهشاشة عظام وهذا يؤثر في نموه. فالعوارض الجانبية التي تخلّفها الدهون المهدرجة تبقى مجهولة في المدى المنظور، ما يعني ان الطفل قد يُبتلى بأسقام واعتلالات لاحقا”.
وشددت على “ان السكر المضاف لا يمكن اعتباره طعاما مغذّيا، فالوجبة المتوازنة يجب ان تشتمل على ما يقرب من 30% من الدهن المفيد في وجباتنا الغذائية اليومية. لذلك يعد الخليط المضاف كارثة صحية، لان الطفل يقاسي من فرط الحركة وهبوط بالطاقة وبكاء من دون سبب، الى جانب تسوس اسنانه اللبنية التي تبدأ بالبروز، حيث تتكون في مرحلة مبكرة من حياة الجنين أي من عمر الأربعة أشهر، ناهيكم بالبدانة التي ينجم عنها في وقت لاحق الإصابة بمرض السكري من النمط الثاني”.