لبنان «صوت سورية» في مؤتمر بروكسيل
على وقع بلوغِ مفاوضات وقف النار في غزة الحائط المسدود الذي يشي بفتْح مزيدٍ من أبواب الجحيم على القطاع وأهله، مَضَتْ جبهةُ جنوب لبنان في عملية «محاكاةٍ» لحرب واسعة لم تعُد خارج الحسابات، في الوقت الذي يَجْري رصْدُ ما ستخرج به القمة العربية في المنامة غداً في ما خص «بند لبنان» الذي اقتيدَ إلى قلب المعركة من خلْف ظهر حكومته يوم أعلن «حزب الله» في 8 أكتوبر ما أسماه «حرب المشاغَلة» لتشكّل أولى حلقاتِ «ربْط الساحات» (بين محور الممانعة) الذي لم يَسبق أن ارتسمَ بلا «أي غبارٍ» كما حصل على امتداد الأشهر السبعة الماضية من دون أن يمنع تَحَوُّل غزة رماداً من دم ودمار.
ومع حسْمِ الأمين العام لـ «حزب الله» السيد حسن نصر الله المحسومَ بتأكيده «أن الارتباطَ القائم بين جبهتيْ غزة وجنوب لبنان نهائيّ ولن يستطيع أن يَفُكّه أحد»، واعتباره أن تسليماً حصل بهذه «الحقيقة» من الأميركيين والفرنسيين وحتى الإسرئيليين وأن «كلّ مواعيد الحرب الشاملة على لبنان التي رُوّج لها لم ولن تُؤتي ثمارها»، وصولاً إلى مهاجمته العرب عشية قمة المنامة، يسود تَرَقُّبٌ لكيفية صوغ رئيس الوزراء نجيب ميقاتي الذي سيترأس وفد لبنان الموقفَ الرسمي مما يجري على الحدود مع اسرائيل، وسط صعوبةِ التوفيق بين أمرين: الأول وضعية «شاهِد ما شافش حاجة» للحكومة في ما خص «حرب الإسناد» جنوباً التي تفرَّد بإعلانها فريقٌ لبناني وما زال يديرها وفق مقتضياتٍ لا كلمة للدولة فيها والتي أوقعتْ «بلادَ الأرز» في ورطة متعددة البُعد. والثاني حاجة الوطن الصغير إلى الدعم والتضامن معه بإزاء الاعتداءات الإسرائيلية وفي مرحلة إعادة الإعمار.
وفي حين كان يُنتظر أن يتركّزَ الاهتمامُ بقمةِ البحرين على الجانب المتعلّق خصوصاً بحرب غزة وأخواتها، ولا سيما جبهة لبنان، لم يكن عابراً أن يتحوّل ملف النازحين السوريين والاتجاه لحصول اجتماعٍ على هامش القمة بين ميقاتي والوفد السوري المرافق للرئيس بشار الأسد، أشبه بـ «شَريك مُضارِب» للمخاوف المتصاعدة من انزلاق الوضع في الجنوب – الذي شهد أمس تطوراً نوعياً بعملية مركّبة أسقط خلالها حزب الله منطاد تجسس إسرائيلياً كان مرفوعاً فوق مستعمرة أدميت حيث قُتل أيضاً جندي اسرائيلي – إلى المحظور وأن يكون التراجع النسبي في وتيرة الاستهدافات الاسرائيلي أقرب إلى «تهدئة ما قبل التصعيد» الأكبر بعد أن تكتمل «إعادةُ ضبطِ» الأهداف في الشكل الذي إما يحقّق «إيلاماً» كفيلاً باستعادة ردعٍ يتشظى مع كل ارتقاءٍ في عمليات الحزب، وإما يمهّد لتوسيع الحرب ملاقاةً لانهيار مفاوضات الهدنة في غزة.
وسيأتي اللقاء اللبناني – السوري المرتقب في المنامة على وهج تطورين بارزين:
• الأول التوصية الجامعة التي يُنتظر صدورها اليوم عن مجلس النواب في ما خص هبة المليار يورو من الاتحاد الأوروبي للبنان، وتؤكد توافق اللبنانيين على وجوب عودة النازحين السوريين إلى بلادهم ووجوب أن يراعي المجتمع الدولي هذه الرغبة، وإن «تَخَفَّت» تحت هذا التلاقي الاختلافاتُ حول كيفية تحقيق هذا الهدف والتي ظهّرها بأوضح صورة نصر الله في كلمته التي بدت أقرب إلى وضْع لبنان وسورية «في مركب واحد» ودعوة لترْك حبل العقوبات الذي يلتفّ حول عنق النظام السوري يشمل لبنان عبر ملف النزوح وتحويله «طوق نجاة» أو غرق للبلدين معاً، الأول الذي يريد فكّ الحصار عنه وابتزاز الخارج لإعادة الإعمار، والثاني الذي يواجه مخاطر أمنية باتت تتهدده مع تصاعد الاحتقان حول هذا العنوان الساخن.
فنصر الله دعا إلى «الجرأة» بفتح البحر اللبناني أمام مغادرة جماعية للنازحين إلى أوروبا «وعندما يُتخذ قرار كهذا كل الغرب سيأتي إلى لبنان ويدفع بدل المليار 20 و30 ملياراً وعندها نقول لهم إننا نريد أن نتساعد نحن والدولة السورية لإعادة النازحين وان تُقدم لهم المساعدات داخل سورية»، مطالباً لبنان الرسمي بالتنسيق المباشر مع دمشق كممرّ إجباري لأي عودة، والبرلمان بأن يطلب من الولايات المتحدةوأوروبا ويشكّل وفوداً إلى الخارج تحضّ على إلغاء قانون «قيصر» والعقوبات على النظام السوري.
• والثاني التأويلات المتضاربة التي أُعطيت لقرار ميقاتي بالتراجع عن ترؤس وفد لبنان إلى مؤتمر بروكسيل في شأن «دعم مستقبل سورية والمنطقة» وتكليفه وزير الخارجية عبدالله بو حبيب هذه المهمة.
وإذ نَقَلَ موقع «لبنان 24» (المحسوب على ميقاتي) عن أوساط حكومية معنية أن قرار ميقاتي جاء «بعدما تبلَّغ من سفيرة الاتحاد الأوروبي ساندرا دو وال أن الاجتماع سيكون على مستوى ممثلي الدول ولن تكون هناك مشاركة لرؤساء الدول أو رؤساء الحكومات»، وأنه «أطلع رئيس مجلس النواب نبيه بري على قراره خلال الاجتماع التشاوري الذي عقداه قبل ظهر السبت»، مؤكدة «أن لا علاقة لقرار رئيس الحكومة بأي اعتبار خارجي»، وضع قريبون من محور الممانعة هذه الخطوة في سياق «التعبير الضمني عن رفض غياب سورية عن المؤتمر وموقف الاتحاد الأوروبي تجاه مسألة النازحين في لبنان».
وكشفتْ صحيفة «الأخبار» أن هذا الموقف تبلور «مع وضوح الموقف السوري (رسالة الخارجية السورية إلى لبنان)»، بعد نقاشٍ بين بري وميقاتي وحزب الله الذي يَعتبر التنسيق مع الحكومة السورية في أي خطوة تجاه مسألة النازحين أمراً أساسياً ولا يمكن تجاوُزه.
وترافق ذلك مع التداول بردّ الخارجية اللبنانية على رسالة نظيرتها السورية حول مؤتمر بروكسيل الذي وصفتْه دمشق بأنه «منصة للهجوم على سورية» منتقدة تغييبها المتعمّد عنه وداعية بيروت لوجوب التنسيق مع الحكومة السورية في ملف النازحين والعودة.
وفي هذا الردّ أكد بو حبيب «أهمية دعوة الجمهورية العربية السورية للمشاركة في مؤتمر بروكسيل باعتبارها الدولة الأولى المعنية بأهداف المؤتمر ومخرجاته، ولذلك طالب لبنان وسيطالب مرة أخرى بدعوة سورية إلى المشاركة»، مشدداً على «ضرورة مساعدة النازحين ودعمهم في بلدهم بدل تحفيزهم على البقاء في بلدان أخرى»، وعلى رفض لبنان «وإصراره على عدم التدخل في شؤون سورية الداخلية. ومن هنا فإن مشاركة لبنان في مؤتمر بروكسيل تشكل فرصة لإعلاء الصوت ومحاولة تغيير المقاربة الدولية للأزمة السورية من خلال فصل موضوع النزوح عن السياسة. فالعقوبات المفروضة على سورية سياسية بامتياز وسبب أساسي للأزمة الاقتصادية الحادّة وتزيد من معاناة الشعب السوري».
وختمت الرسالة بأن «لبنان الذي بادر إلى التحاور مع الحكومة السورية في مسألة النزوح السوري إلى أراضيه ولاقى تجاوبكم لحلّ هذه المسألة خلال زيارتنا الأخيرة لدمشق، سيحاول بالتنسيق معكم ومع المجتمع الدولي وضع خطة شاملة وإجراءات عملية تكون كفيلة بتأمين عودة النازحين إلى ديارهم بكرامة وأمان».
وفي موازاة ذلك، وفيما كانت قوافل العودة الطوعية للنازحين تُستأنف أمس بعودة 320 سورياً إلى بلدهم تحت إشراف الأمن العام اللبناني، بدأت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي زيارة لبيروت من ضمن جولة لها في المنطقة حيث بحثت مع رئيسي البرلمان والحكومة وقائد الجيش العماد جوزف عون في الجهود من أجل العمل على استقرار الأوضاع في لبنان انطلاقاً من أن لكندا جالية كبيرة فيه، كما أن هناك جالية لبنانية كبيرة في كندا.وجاءت هذه الزيارة على وقع تطور بارز شهدته جبهة الجنوب أمس وشكله إعلان «حزب الله» أنه «بعد تتبع مستمر لحركة المنطاد التجسسي الذي يرفعه الجيش الاسرائيلي فوق مستعمرة أدميت للمراقبة والتجسس على لبنان، وبعد تحديد مكان إدارته والتحكم به، استهدف مجاهدو المقاومة الإسلامية بالأسلحة الصاروخية ثلاثة أهداف عائدة له بشكل متتال، وهي قاعدة إطلاقه التي دمرت وأفلت منها المنطاد، وآلية التحكم به وتم تدميرها بالكامل، وطاقم إدارته الذي أصيب بشكل مباشر ووقع أفراده بين قتيل وجريح».
وفي حين أُعلن مقتل جندي إسرائيلي وإصابة آخرين بهذه العملية، فإن المنطاد الذي تاه في الأجواء إثر انفلاته من القاعدة المستهدَفة سقط في أطراف بلدة رميش الحدودية اللبنانية.
وفي الوقت الذي أعلن حزب الله نهاراً عن عمليتين أخريين ضد أهداف عسكرية في مستعمرتي أفيفيم والمالكية، استوقف مراقبون استخدام الطيران الحربي الاسرائيلي في غارته التي نفذها قرابة الأولى من بعد منتصف ليل الاثنين – الثلاثاء على بلدة كفركلا صواريخ ثقيلة تسمى صواريخ «شارون» الزلزالية، أحدثت دماراً كبيراً في البلدة.
وعلى وهْج كل هذه التطوراتِ، يعود سفراء «اللجنة الخماسية العربية – الدولية» حول لبنان للاجتماع غداً في مقر السفارة الأميركية في عوكر، لتقويم نتائج جولة الاتصالات التي قاموا بها مع القادة اللبنانيين في محاولة لاجتراح مخرج للأزمة الرئاسية المتمادية منذ أكثر من 18 شهراً والتي تصطدم مساعي حلها بتعقيدات داخلية ذات بُعد إقليمي، بحيث إن «الحل والربط» في هذا الملف يبقى في يد «حزب الله» المتمسك بمرشحه سليمان فرنجية والذي يصعب أن يفتح أي باب لأخذٍ وردٍّ حول هذا الترشيح قبل انتهاء حرب غزة ومرور «عاصفة الجنوب».