خاص – لا ورقة إلّا ورقة هوكشتاين
المسار الذي بدأه الموفد الأميركي لشؤون الطاقة آموس هوكشتاين عبر ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل في تشرين الأول 2022 لم يتوقّف، لكنّه أُرجئ. فهذا المسار، الذي ترافق حينها مع الإعلان عن مشروع خطّ سكّة الحديد، أو ما عُرف بطريق الهند، تريده الولايات المتحدة بشدّة، كما تريده إسرائيل وكذلك “حزب الله”. فهو، إن استؤنف عبر الترسيم البرّي، يتيح للبنان وللحزب العودة ربّما إلى استثمار النفط واستخراجه، ويتيح للبنان فرصة للتنفس اقتصاديّاً.
وما يبقي الخطة ممكنة، هو أنّ الوضع العسكري في الجنوب ظلّ يحافظ طيلة الأشهر السبعة للحرب على سقف لم يتجاوزه، على رغم كل التطورات التي جرت، وأبرزها استهداف إسرائيل للقنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال قادة كبار في الحرس الثوري، ثم الردّ الإيراني المدروس في13 نيسان.
ويأتي الحديث اليوم عن احتمال إقرار هدنة بعد إعلان “حماس” قبولها شروط الوسطاء القطريين والمصريين، ليفتح باباً أمام إمكان إطلاق المفاوضات المتعلّقة بالترتيبات الأمنية على الحدود الجنوبية، ومن ثمّ بترسيم الحدود البريّة، بما يؤدّي إلى استعادة أراضٍ لبنانية تحتلّها إسرائيل. ويدرك الموفد الأميركي هذا الأمر تمام الإدراك. لذا، قرّر أن لا يعود إلى لبنان قبل انتهاء الحرب في غزّة، أو إقرار هدنة على الأقلّ. وفي حال تمّت الموافقة على الهدنة التي يُعمل عليها الآن بين مصر وقطر، فإنّ هوكشتاين سيعود إلى بيروت لاستئناف مهمّته.
ولكن في الوقت الضائع، كانت فرنسا تتابع مساعيها بالتنسيق مع الأميركيين هذه المرّة، بما يمهّد الأجواء للمفاوضات الجدّية التي ستجري برعاية أميركية. وقد زار الموفد الرئاسي الفرنسي جان إيف لودريان واشنطن، قبل أن يقدّم وزير الخارجية الفرنسي ستيفان سيجورنيه ورقة إلى المسؤولين اللبنانيين، الذين أرسلوها بدورهم إلى الحزب للردّ عليها.
ومع أنّ الردّ المتوقّع كان الرفض، فإنّ البنود التي نصّت عليها الورقة الفرنسية لا تختلف في الخطوط الكبرى عمّا طرحه هوكشتاين. ولكنّ الغوص في التفاصيل وصولاً إلى الاتفاق المحتمل لم يحن أوانه بعد. وفي أيّ حال، فإنّ ما ورد في الصيغة الفرنسية ينصّ على مراحل، تبدأ بالوقف الفوري للعمليّات العسكرية، ثم إعادة تموضع عناصر الحزب، بما يعني الانسحاب إلى مسافة يُتّفق عليها، تسمح بعودة السكان في جنوب لبنان وفي المستوطنات الإسرائيلية الشمالية إلى منازلهم. وتتمحور المراحل اللاحقة حول إطلاق المفاوضات الخاصّة بترسيم الحدود البرّية وحلّ النزاع حول بلدة الغجر وهويّة مزارع شبعا وتلال كفرشوبا.
في أيّ حال، لا تبتعد هذه الأوراق المطروحة من ناحية الترتيبات الأمنية عمّا ينص عليه القرار 1701، الذي يقول بجعل المنطقة جنوب الليطاني خالية من أي سلاح سوى سلاح الجيش اللبناني وقوات الطوارئ الدولية، ووقف الانتهاكات الإسرائيلية للأجواء اللبنانية. وهذا يعني إمكان الإنطلاق من قرار دولي موجود سبق للطرفين اللبناني والإسرائيلي أن وافقا عليه، وصولاً إلى ضمان تطبيقه في شكل جدّي.
يضغط الاميركيون بكلّ قوتهم لتحقيق الهدنة التي تتضمّن صفقة لإطلاق الرهائن، ومن بينهم سبعة اميركيين تحتجزهم حركة “حماس”. وهذا الأمر سينعكس إيجاباً على الحملة الانتخابية للرئيس جو بايدن، كما أنّه سيحلّ موضوع الاحتجاجات الطالبية في الجامعات الاميركية، والتي تتّخذ منحى تصاعديّاً، بعدما انتقلت العدوى إلى جامعات في أوروبا.
الهدنة في غزّة وحدها هي التي تشقّ الطريق أمام البحث في الترتيبات بين لبنان وإسرائيل. وفي حال الفشل في تحقيقها في الساعات المقبلة التي تُعتبر حاسمة في هذا المجال، فإنّ أخطار العودة إلى توسيع الحرب أو رفع سقفها ستكون أكبر بكثير ممّا هي عليه الآن. وقد هدّد وزير الخارجية الاسرائيلي يسرائيل كاتس بأنّ اسرائيل ستشنّ عمليّة عسكرية على جنوب لبنان، وستعمل على احتلال أجزاء واسعة منه، في حال لم ينسحب الحزب بعيداً عن الحدود.
يبدو وكأنّ كل شيء منوط بقرار من بنيامين نتنياهو الذي يرفض الهدنة ويريد استمرار الحرب. وقد أشعل جبهة رفح في الوقت الذي أتى فيه الردّ الإيجابي من “حماس”. فهل ما يجري مجرد رفع لسقوف التفاوض قبل الهدنة أم بدء الهجوم الأخيرعلى رفح؟