خاص – هل من مصلحة السعودية التطبيع الآن؟
يأخذ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على عاتقه ملفّ التطبيع بين إسرائيل والسعوديّة. وهو لم يكفّ عن طرح الموضوع وتقديم المغريات للطرفين المعنيّين، حتّى مع استعار الحرب في غزّة. ولكن زيارته الأخيرة للرياض اتّسمت بإلحاح أكبر على إتمام التطبيع في أسرع وقت ممكن. فهل هناك فعلاً تقدّم على هذا المسار؟ وما هي الحوافز التي تعرضها واشنطن على كلّ من السعودية وإسرائيل لإتمام العملية؟
في الواقع، أعلن المتحدث باسم الخارجية الأميركية ماثيو ميلر قبل أيّام أنّه “تمّ الاقتراب جدّاً من التوصل إلى اتفاق في شأن الأجزاء الثنائية من صفقة أكبر تهدف إلى تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل”. ويعكس هذا التصريح الرغبة الأميركية في الوصول إلى هذا الهدف، أكثر ممّا يعكس مواقف الطرفين المعنيّين. وتنطلق خلفيات الرغبة الجامحة لدى الإدارة الأميركيّة في تحقيق هذا الإنجاز اليوم، لأسباب تتعلّق في شكل رئيسي بالحملة الانتخابيّة للرئيس جو بايدن الذي يحتاج إلى “دفع”، في مقابل الحملة المتقدمة للمرشّح دونالد ترامب.
ويعرف الأميركيون أنّ السبيل الوحيد الذي قد يسمح بالدخول من جديد في مفاوضات حول التطبيع، هو التوصّل إلى هدنة في غزّة. فمن دونها، لا يمكن للرياض أن تعود إلى المفاوضات. كما لا يمكن للبنان أن يبحث في الخطّة التي يحملها الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين للتهدئة وترسيم الحدود البرّية. ومن هذا المنطلق، يمكن فهم العمل الأميركي الحثيث لتحقيق الهدنة. ووصل الأمر ببعض المحلّلين والمسؤولين الأميركيين السابقين لحضّ تلّ أبيب على إعلان هدنة من طرف واحد لمدة أربعة أو ستّة أسابيع، معتبرين أنّها ستصبّ في النهاية في مصلحة إسرائيل، لأنها ستفتح الطريق أمام التطبيع مع السعودية، وأمام الحلّ على الجبهة اللبنانية، وربّما أيضاً تمهّد لإنشاء تحالف أمنيّ إقليميّ، هدفه احتواء إيران ووكلائها في المنطقة.
وتبني الإدارة الأميركية على التعاون العسكري والأمني الذي حصل أثناء اعتراض الصواريخ والمسيّرات التي أطلقت من إيران في اتجاه إسرائيل في 13 نيسان الماضي، من أجل الدعوة إلى إنشاء تحالف إقليمي. وهي ترى أنّ إسرائيل أدركت أنّها لا يمكنها العمل لوحدها لصدّ هجوم إيراني أو هجوم متزامن ومكثّف يشارك فيه أيضاً وكلاء إيران. فمواجهة الردّ الإيراني الأخير تمّ بالتعاون بين إسرائيل والولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. كما شارك الأردن في إسقاط الأجسام التي مرّت في اجوائه، فيما لعب كلّ من السعودية والإمارات دوراً من خلال مشاركة المعلومات الاستخبارية عن الهجوم.
ولكن السعودية في المقابل، لا يمكنها الإقدام على خطوة من هذا النوع، ما لم تضمن حلّاً متكاملاً، يتضمّن إلى التطبيع، عقد اتفاق أمني مع الولايات لمتحدة والحصول على أسلحة نوعية.
والمفارقة، أنّ الرياض هي التي كانت قبل اندلاع حرب غزّة تطالب واشنطن باتفاقات دفاعية كثمن للتطبيع، بينما تبدو الولايات المتحدة هي التي تلهث الآن وراء إنشاء تحالف إقليمي لمواجهة إيران. ويمكن للسعودية أن تلتقط الفرصة السانحة اليوم لتعزيز أمنها والحصول على أسلحة أميركية متطوّرة، وأيضاً لإقامة برنامج نووي مدني.
ولا سبيل للوصول إلى هذه المرحلة سوى عبر المرور بمراحل، أولّها الاتفاق على هدنة في غزّة وإدخال المواد الغذائية بوفرة، ما يتيح للوسيط الأميركي معاودة المفاوضات حول التطبيع وشروطه. ويلي ذلك تحقيق المطلب السعودي حول وضع مسار لإقامة دولة فلسطينية. ثمّ تأتي المراحل الأخرى التي تتضمّن قيام تحالف إقليمي أو اتفاق دفاعي وصولا إلى إعلان التطبيع.
ولكن الأمر ليس بهذه السهولة بالطبع. فالرياض تعتبر أنّ كلّ عناصر هذه الصفقة مترابطة، ولا يمكن الموافقة على أحد البنود من دون التوافق على البنود الأخرى. وما زالت المملكة تريد الحفاظ على توازن في علاقاتها مع كلّ من إيران من جهة وأميركا وإسرائيل من جهة أخرى. وتريد في الوقت عينه الحفاظ على أمنها ومتابعة مسيرة تصفير المشاكل. وترفض أن يُفهم من موقفها أنّها شريكة في جبهة ضدّ طهران، بعدما تحسّنت العلاقات بين البلدين. إذ إنّ أيّ حلف ستدخل فيه السعودية لمواجهة إيران يحمل مخاطر عودة الحرب إلى الخليج من بوّابة اليمن. وهذا ما يعتبر وليّ العهد محمد بن سلمان أنّه انتهى إلى غير رجعة.
أمّا بالنسبة إلى إسرائيل، فإنّ التطبيع مع دولة خليجية سنّية بحجم السعودية وتأثيرها السياسي والديني والاقتصادي هو أمر بالغ الأهمية. ولكن هل يستأهل من وجهة نظر نتنياهو تقديم تنازل، ولو شكلي، في موضوع الدولة الفلسطينية ووقف الهجوم الذي يخطّط له على رفح؟
والسؤال الآخر: هل ّيهتمّ نتنياهو للتجاوب مع طروحات بايدن التي تصبّ في خانة دعم حملته الانتخابية، أم أنّ من مصلحته وصول ترامب؟ وعندها تُفتح أمامه أبواب جديدة، والتطبيع من ضمنها.