خاص- هل اقتربت إيران من إنتاج القنبلة النوويّة؟
بعد تبادل الردود العسكرية بين إيران وإسرائيل، وتأكيد مسؤول في الموساد أنّ استهداف المنشآت النووية الإيرانية هو من بين الخيارات المطروحة، لوّح قائد حرس حماية وأمن المراكز النووية في إيران أحمد طلب بـ “مراجعة العقيدة والسياسات النووية والعدول عن الاعتبارات المعلنة في السابق”. فهل هذا يعني أن إيران ستتخلّى عن الفتوى الدينية التي تحرّم إنتاج السلاح الذريّ، وتعلن صراحة الاستعداد لصنع القنبلة النووية، خصوصاً أنها تؤكد أنّها اقتربت من الناحية التقنية من تحقيق ذلك؟
منذ أن أعلن الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الخروج من الاتفاقية النووية التي أُبرمت مع طهران في العام 2015، لم تعد عملية المراقبة تجري كما كانت أثناء تنفيذ بنود الاتفاق. وظلّت تصدر بين الفينة والأخرى تقارير تفيد بأنّ الوقت هو عامل تستفيد منه طهران لرفع مستوى التخصيب وبناء منشآت سرّية، وهي بالتالي تقترب من تصنيع السلاح النووي.
ومع اندلاع الحرب في غزّة، وما تبعها من تصعيد مباشر مع إيران، عاد التركيز من جديد على الملف النووي الإيراني. وحذّرت تلّ أبيب من أنّها لن تسمح بامتلاك طهران السلاح النووي، بما يطيح توازن القوة القائم في المنطقة. ودعت الولايات المتحدة والحلفاء إلى لعمل بجدّية على هذا الملفّ.
وكان من المقرر ان تستأنف الوكالة الدولية للطاقة النووية عمليّة التفتيش. ولكنّ ايران أغلقت منشآتها لاعتبارات أمنية، بعد التهديد الإسرائيلي باستهدافها. وقد عبّر المدير العام للمنظمة رافائيل غروسي عن القلق، بعدما ادّعى مدير البرنامج النووي الإيراني السابق علي أكبر صالحي في أوائل شهر شباط الماضي أن بلاده “تمتلك كافة المكوّنات التي تحتاجها لصنع سلاح نووي، ولكنها ببساطة لم تجمعها بعد”.
وظهر في التقرير الأخير الصادر عن الوكالة الدولية أنّ إيران خفّضت مخزونها من اليورانيوم المخصّب بنسبة 60% خلال الفترة المشمولة بالتقرير والممتدة من تشرين الثاني 2023 حتى شباط 2024. لكن هذه النتيجة “حجبت الصورة الأكبر التي ليست وردية على الإطلاق”، كما ورد في تقرير أعدّه “معهد واشنطن”. وجاء في تقرير المعهد أنّ ” إيران زادت في المقابل مخزونها الإجماليّ من الموادّ المخصّبة، وضاعفت معدّل إنتاجها من اليورانيوم بنسبة 60%، ما أدى إلى إنشاء مخزون كبير من المواد التي يمكن تعزيزها من جديد إلى 60% أو أكثر بسرعة كبيرة نسبياً، نظراً إلى نشر النظام المتزايد لأجهزة الطرد المركزي المتطوّرة. وتتمثّل النتيجة النهائيّة لهذه الخطوات في أنّ إيران أصبح في إمكانها الآن إنتاج ما يكفي من اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة لصنع قنبلة نووية واحدة في أسبوع واحد فقط، وما يكفي لإنتاج سبعة أسلحة نووية في شهر واحد، ولو أنّها ستحتاج إلى المزيد من الوقت الذي يقدّر بستة أشهر لتحويل اليورانيوم المستخدم في صنع الأسلحة إلى سلاح قابل للاستخدام.
وفي الواقع، لا تزال إيران تخصّب اليورانيوم بمعدل مرتفع يبلغ 7 كيلوغرامات شهرياً على درجة نقاء 60%، على رغم تباطؤ وتيرة التخصيب قليلاً منذ نهاية العام الماضي. وما يزيد الغموض والشكوك حول البرنامج النووي الإيراني، ما ذكره تقريرالوكالة الدولية للطاقة الذرية من أنّ المسؤولين في الوكالة “فقدوا استمرارية المعرفة في ما يتعلق بإنتاج أجهزة الطرد المركزي وجَردها، وبالدوّارات والمنافيخ، والمياه الثقيلة ومركّزات خام اليورانيوم”. وتضيّق إيران بذلك من مدى تعاونها مع الوكالة، إذ رفضت تقديم إجابات حول الأنشطة النووية غير المعلنة، ولم تخطِر الوكالة مسبقاً ببناء منشأة نووية جديدة، يُعتقد أنّها موجودة على عمق كبير بالقرب من نطنز.
وإزاء هذا الواقع، يراجع المسؤولون الأميركيون والأوروبيون المعنيّون سياستهم تجاه الملفّ النووي الإيراني، بعدما كانت ردودهم السابقة على تحذيرات الوكالة الدولية باهتة وغير منسّقة. وما زاد حينها في تراجع الاهتمام بهذا الملف هو ظهور تحدّيات جديدة، تتمثّل في الحرب الدائرة في أوكرانيا والتنافس مع الصين. لكن دخول إيران على خطّ الصراع مع إسرائيل يدفع الآن في اتّجاه إعادة التركيز على الموضوع.
في الواقع، أعلنت واشنطن نيّتها فرض عقوبات جديدة تستهدف برنامج الصواريخ والطائرات المسيّرة الإيراني، ردّاً على هجوم طهران الأخير على اسرائيل. وفرضت رزمة عقوبات قبل يومين على شركتين وأربعة أفراد مرتبطين بـ “الحرس الثوري” ضالعين في هجمات سيبرانية على شركات وكيانات حكومية أميركية. كما أعلن الاتحاد الأوروبي استعداده لتوسيع العقوبات.
ولكن إيران استطاعت في السنوات الماضية، بنسب متفاوتة، التحايل على العقوبات الغربية. وقد ارتفع مبيع النفط لديها في العامين الماضيين بنسبة 100%. ويشار إلى أنّ العقوبات الأممية كانت قد رُفعت عن الحظر الصاروخي لطهران في 28 من تشرين الثاني الماضي، بعد انتهاء مدّتها.
وإذا لم يكن للعقوبات تأثير كبير في الموضوع، فإنّ إيران تأمل في التوصل إلى تسوية أو اتفاق جديد تكون هي أحد اللاعبين الأساسيين فيه، بعد انتهاء الحرب في غزّة. ولذلك، تواصل سياسة “الصبر” المدروس مع حليفها الأساسي “حزب الله”.
قد تختار طهران البقاء عند عتبة السلاح النووي، ولكنّها تريد في المقابل أثماناً في مكان آخر. وهي تعتقد أنّ هذه الأثمان قد تكون عبر صفقة تُعطى فيها نفوذاً معيّنا ًلتكون شرطيّ المنطقة، ضمن سقف ترضى عنه إسرائيل. وعندها يمكن للهدف النووي أن ينتظر ظروفاً أكثر ملاءمة لتحقيقه.