امتحانات بلا استثناءات… تحصين الشهادة الثانوية!

امتحانات بلا استثناءات… تحصين الشهادة الثانوية!

الكاتب: ابراهيم حيدر | المصدر: النهار
24 نيسان 2024

حسمت وزارة التربية وجهة الامتحانات الرسمية للشهادة الثانوية، فألغت المواد الاختيارية مع تقليص منهاج عدد من المواد، وهو ما يعني إجراء امتحانات طبيعية، تقرّر موعد انطلاقتها في 29 حزيران 2024 وتمتد حتى 5 تموز المقبل، يسبقها في 24 حزيران امتحان الشهادة المتوسطة للطلبات الحرّة والامتحان الموحد لتلامذة الأساسي. وبذلك أنهت التربية الجدل وتجاوزت الضغوط لاعتماد المواد الاختيارية التي روّج لها عدد من النواب وأحزاب وجمعيات تحت عنوان أن التعليم في المدارس لم يعد إلى حالته الطبيعية.

باستثناء حذف دروس عدد من المواد، لم يطرأ اي تعديل في آلية إجراء الامتحانات التي كانت معتمدة قبل عام 2019. فقد عادت الامور إلى نصابها بلا مواد اختيارية، وهذه مسألة إيجابية لأن الدراسة هذه السنة لم تمر بأوضاع غير طبيعية على مستوى لبنان باستثناء المدارس التي أقفلت في القرى الحدودية من جراء الوضع الأمني. والاستثناء الوحيد الذي استندت فيه وزارة التربية إلى دراسة للمركز التربوي للبحوث والإنماء هو التفاوت في التحصيل بين مادة وأخرى ما اقتضى إقرار تسهيلات في محتوى المنهاج بسبب الفاقد التعليمي خلال السنوات السابقة، الذي جعل درساً واحداً لمادة معينة يحتاج إلى 14 ساعة تعليم بدلاً من أربع ساعات، وهي مشكلة واجهها الأساتذة في مواد عدة، الامر الذي استدعى مقاربة مختلفة لا تعتمد المواد الاختيارية ولا تلغي موادّ بل تحذف دروساً محددة لا تؤثر على المسار العام لمستوى الشهادة الثانوية.

اللافت في الامتحانات وبرنامجها أن التربية لم تستثن تلامذة المناطق الحدودية الجنوبية من إلغاء الموادّ الاختيارية، فالاستحقاق موحّد للجميع، خصوصاً أن ما تطالب به قوى سياسية ونواب وتُمارس ضغوطاً بشأنه على التربية هو استثناء كل تلامذة الجنوب وإجراء امتحانات خاصة لهم بسبب الأوضاع الأمنية، حيث ترافق ذلك مع مواقف شعبوية روّجت لأجواء عدم الاستقرار في التعليم، وهي لا تنطلق من بعد تربوي حقيقي. لكن التربية اعتبرت قبل إعلان برنامج الامتحانات أن تلامذة الحدود أو الذين أقفلت مدارسهم قد جرى إلحاقهم بمدارس بديلة ومنها مدارس الطوارئ إضافة إلى التعليم عن بعد، والمرشحون منهم لامتحانات الشهادة الثانوية لا يتجاوز عددهم الـ700 من نحو 40 ألف مرشح، وأيّ استثناء سيؤدّي إلى حدوث فوضى وخلل في الهيكل التعليمي وفي معدلات النجاح. لذا جرى الاكتفاء بتقليص وحذف دروس، يشمل كل تلامذة الشهادة الثانوية.

ليس من ترتيب خاص للجنوب، بل امتحانات موحدة لكل تلامذة لبنان. والأهم أن إلغاء المواد الاختيارية سيؤسس مجدداً لإعادة هيكلة التعليم، وهدفه إعادة الاعتبار للشهادة الثانوية التي فقدت الكثير من صدقيتها ومن مستواها خلال السنوات الماضية، بفعل عدم انتظام العملية التعليمية والفاقد ومنح الإفادات عام 2021، فضلاً عن الإضرابات والمقاطعة التي أخلّت بالتوازن بين الرسمي والخاص. ولذا لم تعد الاستثناءات ضرورية في ظل سنة طبيعية في التعليم، فالاستمرار في اعتماد المواد الاختيارية كان سيزيد من النزف الحاصل وسيدمر الشهادة الرسمية خصوصاً أن الجامعات في عدد من دول العالم لم تعد تعترف بالشهادة ولها برنامجها الخاص في قبول التلامذة اللبنانيين. والعودة إلى امتحانات طبيعية للتلامذة بكل المواد ستؤسّس من جديد لاستقرار التعليم والسير في التعويض واستعادة الكفاءة التعليمية، بالتزامن مع إصلاحات مطلوبة في التربية على مستوى لبنان.

مورست ضغوط أيضاً لإلغاء الاختبار الموحد للشهادة المتوسطة والاكتفاء بالامتحانات المدرسية، لكن التربية تجاوزت ذلك، وحسمت الأمر بخضوع تلامذة البريفيه للاختبار بهدف التقويم، فيما سيُمتحن تلامذة لبنان بكل المواد في امتحانات موحدة للشهادة الثانوية.
يؤسس هذا الواقع لتوازن العملية التعليمية، ويعيد التلامذة لحضور مواد مثل التاريخ والفلسفة والتربية. والأهم هو البناء وفق مسار واضح يعيد الاعتبار إلى الشهادة والمستوى التعليمي.