خاص – رفح أوّلاً.. فلبنان.. وايران
بعد ستة أشهر على اندلاع حرب غزّة، طرأت معطيات كثيرة على ميدان المعارك. لم يعد القتال محصوراً بالفلسطينيين وبهدف القضاء على حركة “حماس”، بل تطوّر الصراع إلى ما بعد الحركة، وما بعد.. بعد”حزب الله” أيضاً، أي وصولاً إلى طهران.
هجوم “طوفان الأقصى” بالنسبة إلى إسرائيل هو كهجوم 11 أيلول بالنسبة إلى الولايات المتحدة. وكما تغيّرت المنطقة على وقع الاستراتيجية الأميركية التي اتبعت بعد 2001، ستتغير أيضاً على وقع الحرب الإسرائيلية القائمة في القطاع وعلى أكثر من محور آخر. وسواء بقي بنيامين نتنياهو في السلطة أو أتى سواه إلى رئاسة الحكومة، فإنّ التكتيك قد يتغيّر، أمّا الهدف فسيبقى واحداّ، وهو القضاء، إذا أمكن، على ما تعتبره تل أبيب خطراً على أمنها وتهديداً لبقائها. وسواء أعيد انتخاب جو بايدن لرئاسة أميركا أو عاد دونالد ترامب، فقد تتغيّر الطريقة، لكن الدعم المطلق لإسرائيل لن يتزحزح.
ويعبّد هذا الواقع السبيل أمام إسرائيل لتنفيذ خطّة طويلة الأمد، مستندة إلى “11 أيلول الفلسطيني”، لتغيير وجه المنطقة. وهناك توافق بالطبع بين الأحزاب الإسرائيلية على تنوّعها حول ثلاثة أهداف رئيسية، هي: القضاء على تهديد “حماس”، إبعاد خطر “حزب الله” عن حدودها، ومنع إيران من الاستمرار في برنامجها النووي.
في الهدف الأوّل، يصرّ نتنياهو على معركة رفح. وهو يعتبر أنّها ضرورية لإنهاء وجود “حماس”. وفيما كانت إدارة بايدن تحذّره من دخول برّي سيوقع الكثير من القتلى المدنيين، أتته الفرصة كي يساوم الأميركيين على ذلك. واستناداً إلى مصادر إعلامية غربيّة عدّة، فإنّ واشنطن أعطت موافقة ضمنيّة على معركة رفح، في مقابل عدم فتح حرب إقليمية مع إيران، والاكتفاء بالردّ والردّ المقابل الذي حصل حتى الآن. وستفتح إسرائيل ممرّاً لنقل المدنيين إلى أماكن أقلّ خطراً، وبعدها ستدخل رفح بدعم دولي وصمت إقليمي وعربي.
وإذا ما تحقّق ذلك، فإنّ الحلّ السياسي الذي سيأتي لاحقاً سيكون عملياًً بمثابة دفن للقضية الفلسطينية. وسيكرّس سيطرة إسرائيل على القطاع، في شكل مباشر أو عبر سلطة معيّنة يتمّ تشكيلها.
امّا في الهدف الثاني، فتريد إسرائيل الوصول إلى وضع تتخلّص فيه من إمكان تهديد “حزب الله” لحدودها أو إطلاق صواريخ في اتجاه أراضيها. وهناك اتصالات قائمة منذ اشهر، ولم تتوقّف كلّياً، من أجل إقناع الحزب بالانسحاب إلى جنوب الليطاني وسحب السلاح الثقيل. وقالت تقارير إسرائيلية وأميركية في وقت سابق إنّ قسماً كبيراً من “قوات الرضوان” انسحبت عملياً من المنطقة الحدودية. ولكنّ الحزب نفّذ قبل أيّام عمليّة نوعيّة، حين فجّر عبوات ناسفة زرعها عند الحدود ّبقوّة تابعة للواء غولاني، ليثبت أنّه ما زال يحكم السيطرة على الحدود.
وما تزال واشنطن تراهن على حلّ سياسي مع لبنان عندما يحين الأوان. وهو يستند إلى الصيغة التي يتبنّاها الموفد الرئاسي الأميركي آموس هوكشتاين. ولكن الحزب يرفض الدخول فيها الآن، محاولاً تحسين شروطه. أمّا إسرائيل التي تريد هذه التسوية أيضاً، فقد تلجأ إلى تنفيذ عملية كبيرة ضدّ لبنان من أجل الضغط على الحزب لتسريع الحلّ وتخفيض سقف الشروط. ولكن هذا ينتظر انتهاء الحرب في غزّة، إلّا إذا حصلت تطورات تفرض تغييراً في الخطط.
أما الهدف الثالث، فستكون وجهته إيران. فبعد استهداف القنصلية في دمشق وقيام طهران بالردّ عبر صواريخ ومسيّرات تمّ إسقاط معظمها، ثم قيام إسرائيل بقصف مواقع في أصفهان، وجّهت الحكومة الإسرائيلية أنظارها إلى إيران، على اعتبار أنّها الراعي الأساسي لكلّ من الحركة والحزب، وهي تطوّر في الوقت عينه برنامجا نووياً قد يصل قريباً إلى انتاج القنبلة النووية. وهو ما يغيّر موازين القوى في المنطقة.
وهذا سيجعل الملف النووي الإيراني في مقدمة الاهتمام بالنسبة إلى واشنطن في المرحلة المقبلة، وستعمل الإدارة الأميركية للتوصل إلى اتفاق جديد تحت الضغط الإسرائيلي في هذا الاتجاه. وبما أنّ إيران تتبع سياسة براغماتية بامتياز، فّربّما تقبض الثمن في تلك التسوية عبر تسليمها حفظ الأمن والاعتراف بدورها ونفوذها، شرط أن تلتزم عدم تصنيع سلاح نووي.