خاص – الحرب بين إيران وإسرائيل صارت واقعاً
أدّى الردّ الإيراني على ضرب القنصلية الإيرانية في دمشق واغتيال قادة كبار في فيلق القدس، إلى فتح جبهة حرب بين إسرائيل وإيران، وإن كانت توصف بأنّها حرب من نوع آخر. عملياً، هي المرّة الأولى التي تُطلق مسيّرات وصواريخ من الأراضي الإيرانية في اتجاه إسرائيل. ومع أنّ الردّ أتى مدروساً كي لا يوقع إصابات أو أضراراً، وجرى تفجير معظم المقذوفات الجوية قبل وصولها إلى المجال الجوي الإسرائيلي، إلّا أنّه فتح الباب لردّ على الردّ يجري التحضير له بما لا يُشعل حرباً واسعة. ولكن، ما الذي يمنع ردّاً جديداً من جانب طهران، إذا ما تمّ إحراجها، على غرار ما جرى بعد استهداف قنصليتها؟
هذا الستاتيكو الجديد هو عمليّاً نوع من أنواع الحرب التي فُتحت، وصار من الصعب إعادة عقارب الساعة فيها إلى الوراء. فقد كرّست تجاوزاً لخطوط حمر، كان الجانبان يحرصان على عدم تخطيها، إلى أن تفجّرت الحرب في القطاع وتدحرجت تداعياتها، وأوصلت الوضع إلى ما هو عليه من توسيع نطاق الاشتباك، من غزّة إلى لبنان فإيران، وإلى مشاركة كلّ من الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا فيها، إضافة إلى الأردنّ، عبر المساهمة في تفجير المقذوفات الإيرانية التي أُطلقت ليل السبت- الأحد في اتجاه إسرائيل.
في الواقع، أجبرت العملية الإسرائيلية ضدّ القنصلية في دمشق طهران على الردّ، حفظاً لماء الوجه أمام وكلائها في المنطقة، الذين يقومون منذ السابع من تشرين بدورهم في “مشاغلة” إسرائيل وتلقّي الخسائر في الأرواح والممتلكات. واضطرّت إلى التورطّ المباشر، وهي التي تحسب كلّ الحسابات لعدم انخراطها في الحرب بنفسها، لما لذلك من عواقب قد تعرّضها للاستهداف، وتالياً تشكّل خطراً على مشروعها التوسّعي في المنطقة وعلى برنامجها النووي.
أمّا بالنسبة إلى الجانب الإسرائيلي، فقد تمكّن من جعل طهران تنزلق إلى المشاركة في الحرب. وورّط في الوقت عينه الولايات المتحدة في اتّخاذ الزمام للدفاع عن إسرائيل عسكرياً. وعلى رغم رفض واشنطن أن تقوم إسرائيل بالردّ من جديد على الهجوم الإيراني، فقد اتخذ مجلس وزراء الحرب الإسرائيلي القرار بتوجيه ضربات انتقامية في “الزمان والطريقة المناسبين”، مع الحفاظ على قواعد الاشتباك المستجدّة مع الجانب الإيراني.
واستناداً إلى هذه المعطيات، ما الذي سيتغيّر على الأرض الآن؟
1- أصبحت الحرب مفتوحة مع إيران عملياً. ولم تعد المعركة محصورة بالوكلاء. وهذا يشكّل تطوّراً لمستوى الصراع. وبات أسهل على إسرائيل توجيه ضربات إلى بنى تحتية إيرانية والاستمرار في استهداف المسؤولين في “فيلق القدس” الذين يقدّمون المساعدة بالمال والسلاح لحركة “حماس”.
2- تحدثت إسرائيل أيضاً عن أنّها قد تستهدف البرنامج النووي الإيراني والعلماء النوويين. وهو أمر ليس بجديد في أي حال. فقد سبق أن نفّذت عمليات ضدّ مواقع إيرانية عبر الانفجارات “الغامضة” التي كانت تحصل في إيران، وعبر الاغتيالات التي طالت علماء نوويين، وأبرزهم العالم محسن فخري زادة. وكانت إيران تتّهم الموسّاد بالوقوف وراء هذه العمليات. ولكن تطورات الردّ الأخير جعلت الملف النووي في صلب الصراع القائم في المنطقة. إذ لطالما أرادت إسرائيل التخلص من هذا البرنامج الذي تعتبره خطراً عليها.
3- أثبتت الولايات المتحدة أنّها مستعدّة فعلاً مع حلفائها الغربيّين للدفاع عن إسرائيل في وجه إيران، إذا تطلّب الأمر ذلك.
4- صار في إمكان الحكومة الإسرائيلية أن “تساوم” الإدارة الأميركية على توسيع الضربات في لبنان والهجوم على رفح، في مقابل الانصياع لطلب بايدن عدم الردّ من جديد على طهران. وهذا يعني أن واشنطن قد تغضّ الطرف عن ضربات أكثر عمقاً في لبنان وعن الدخول البري إلى رفح تحت سقف شروط معيّنة.
إذا، قد تختلف المرحلة ما بعد الردّ الإيراني عمّا قبلها. ويعتقد بعض المصادر أنّ هناك احتمالاً أكبر لأن تقوم إسرائيل بتوجيه ضربات أقسى إلى البنية التحتية للحزب في لبنان مع الاستمرار في استهداف كوادره. كما سيزداد بنيامين نتنياهو عناداً بالنسبة إلى غزّة، وسيتمسّك بقراره الدخول إلى رفح، الذي يعتبره أساسياً للقضاء على “حماس”.
في أي حال، الحرب الحالية تختلف عن كل سابقاتها. فهي ستطول لتتمكّن من إحداث تغيير في الموازين العسكرية والسياسية. وباتت إسرائيل تنفّذ حرباً بطيئة في غزّة، وتشغّل حرب الاستخبارات والاغتيالات في لبنان. أمّا نتنياهو فينتظر وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض ليأخذ ضوءاً أخضر مفتوحاً. ولم يتبقّ سوى نصف عام أمام الانتخابات الرئاسية الأميركية.