نامَت بيروت على حرب واستفاقت على Hiking العاقورة!
أتت استجابة حكومة الرئيس نجيب ميقاتي للزلزال العسكري الذي ضرب خطّ طهران-تل أبيب متأخّرة بالدعوة إلى عقد جلسة طارئة اليوم لمجلس الوزراء تحوّلت مساءً إلى جلسة “تشاورية”. أهاب من خلالها الرئيس نجيب ميقاتي “بجميع الوزراء حضورها في هذا الظرف الدقيق تلبية لنداء الواجب الوطني”. نامَ لبنان، وحكومته، على “حرب” واستفاق على تهدئة وعرض عضلات متبادل.
مرّ الويك إند من دون اجتماعات طارئة باستثناء قرار وزارة الأشغال السريع ليل السبت-الأحد بإغلاق المجال الجوّي لمطار بيروت ستّ ساعات أمام حركة الطيران، ثمّ إعادة العمل أمس بجدول رحلات الطائرات القادمة أو المغادرة. فعليّاً، شكّل ليل 13-14 نيسان 2024 حدثاً تاريخياً خَطَف أنفاس دول العالم بعدما أغرقت إيران، بردّها المتوقّع على ضرب إسرائيل لمبنى قنصليّتها بدمشق، كيان العدوّ بمئات المسيّرات والصواريخ مدشّنة عصر المواجهة العسكرية الإيرانية-الإسرائيلية المباشرة وليس “بالوكالة” فقط.
ساعات عصيبة وغير مسبوقة فَصَلت بين بدء الهجوم الإيراني وإعلان القائد العامّ للحرس الثوري الإيراني حسين سلامي صباح أمس قيام طهران بعملية “محدودة وناجحة محقّقة كلّ أهدافها بتدمير موقعين عسكريَّين واستخباريَّين شكّلا المنطلق للضربة التي استهدفت مبنى القنصلية الإيرانية”، وتأكيد رئيس هيئة الأركان العامّة في الجيش الإيراني محمد باقري أنّ “الردّ انتهى والعملية ضدّ إسرائيل كانت تحذيرية فقط”، ثمّ إعلان الرئيس الأميركي جو بايدن معارضة الولايات المتحدة لأيّ هجوم إسرائيلي مضادّ على إيران وإدانة دول حلف شمال الأطلسي للتصعيد.
رعبٌ من حرب مفتوحة
اختلفت تقديرات غرف العمليات العسكرية لدى دول محورَي النزاع بين طهران وإسرائيل حول نتائج العملية العسكرية “المحدودة” وتداعياتها على وجه المنطقة برمّتها وعلى حرب غزة واحتمالات الردّ الإسرائيلي على “الردّ” الإيراني، لكن في لبنان اتّخذت المواجهة بين “العملاقين” منحى مختلفاً اختلطت فيه حسابات الحزب بهواجس الحكومة ورعب الداخل من حرب مفتوحة و”دفن” استحقاق رئاسة الجمهورية وانقسام الآراء بين حدّي اعتبار ما حصل “ضربة” تؤسّس لمزيد من الاستنزاف في المنطقة وفي المواجهة العسكرية بين الحزب وإسرائيل، وفريق آخر سلّم ببدء مرحلة التفاوض الدبلوماسي الجدّي لإنهاء حرب غزة وإعادة ترسيم وجه المنطقة.
كاتم الصوت الأميركي – الإيراني
انقسام الداخل اللبناني، المفتّت أصلاً، حيال حدث تاريخي بهذا الثقل العسكري كان بديهياً:
– فريقٌ تحدّث عن “مسرحية” ليليّة وهجوم فاشل بصفر نتائج عسكرية وصفر قتلى كشفا، برأي بعض المحلّلين، عمق التنسيق الأميركي-الإيراني الكاتم للصوت حيال عدم ذهاب المنطقة نحو حرب مفتوحة لا أحد قادر على تحمّل تبعاتها على مسافة أشهر من الانتخابات الرئاسية الأميركية. وتكلّل المشهد بتأكيد وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان أنّ طهران أبلغت الولايات المتحدة مسبقاً بأنّ هجماتها ضدّ إسرائيل ستكون “محدودة وللتوبيخ”.
– وفريق هلّل لتأديب إيران إسرائيل والدول الغربية والعربية، التي استنفرت “دفاعاتها” لدعم تل أبيب في ردّ صليات المسيّرات والصواريخ، وذلك عبر كسر المحظور بإطلاق هجوم جوّي هو الأوّل من نوعه منذ بدء الصراع العربي-الإسرائيلي من مسافة 1,100 كلم وتحقيق نتائج عسكرية مؤلمة لإسرائيل في موقعين عسكريَّين أساسيَّين. بدا “النصر” محقّقاً، من وجهة نظر هذا الفريق، بمجرّد إنزال كلّ قيادات العدوّ الإسرائيلي إلى الملاجئ وتكتّم إسرائيل على حجم خسائر الهجوم الإيراني وكلفة الردع ورسم علامات استفهام دولية كبيرة حول ردّها على الردّ الإيراني.
مصير جبهة الجنوب
هذا الانقسام العمودي المتوقّع أن تتوسّع رقعته، بغضّ النظر عن احتمال ردّ إسرائيل وافتراض ردّ طهران وحلفائها على “الردّ على الرد”، ترافق مع سلسلة معطيات سُجّلت في الساعات الماضية:
– شهدت جبهة الجنوب أحد أعنف معاركها التي أدّت إلى تكثيف المقاومة لضرباتها في نفح ويردن وكيلع في الجولان السوري. كما أدّت إلى سقوط صاروخ قرب مكتب مخابرات الجيش اللبناني في مرجعيون من دون وقوع إصابات، وصولاً إلى منطقة النبي شيت-سرعين في بعلبك مع استهداف إسرائيل أمس لما قالت إنّه “مبنى للحزب مؤلّف من طابقين”.
هو واقع تقول مصادر مطّلعة لـ “أساس” إنّه قد يبقى قائماً جنوب وشرق لبنان بغضّ النظر عن جبهة طهران-إسرائيل، إذ يبدو ملتصقاً أكثر بتطوّرات الوضع في غزة. وهنا تحديداً، يجب رصد نتائج “ليلة الانتقام” على مسار الهدنة بين “حماس” وإسرائيل مع إعلان الأخيرة يوم أمس رفض “حماس” لمقترح وقف إطلاق النار الأخير، واستغلال قائد الحركة يحيى السنوار، كما قالت، للتوتّر مع إيران ساعياً إلى التصعيد الشامل في المنطقة.
– تأكيد نائب الحزب علي فيّاض أنّ “الحرب لم تنتهِ بعد”، وربطه بين الحدث العسكري غير المسبوق والداخل المتأزّم بقوله: “لا مصلحة لبنانية إطلاقاً ولا مصلحة لأحد في أخذ البلد إلى مشكلة طائفية هي، بالأساس، عائمة ومفتعلة وغالباً ما تتمّ تغذيتها بالأوهام ومخاوف لا أساس لها. نحن في الداخل ليس لنا أعداء، لأنّ العداوة تستدعي الصراع”.
– أمام تأكيد الجيش الإسرائيلي إحباط الهجوم الإيراني كان لافتاً تبنّي محور لبناني واسع لهذه الفرضية مع “انتظار” الردّ الإسرائيلي، في مقابل تبنّي المحور المضادّ لمعادلة “الهدف: عقاب إسرائيل وليس الحرب الشاملة”، وتخوين من يرفع شارة النصر الإسرائيلي على طهران في الداخل. هي خلاصة واقعية لتطوّرات الساعات الماضية يفترض أن تكون من بنود جدول أعمال الحكومة “التشاوري” اليوم في ظلّ انقسام مستمرّ لم تنتهِ مفاعيله بعد في شأن مقتل منسّق حزب القوات في جبيل باسكال سليمان.
تشكّك مصادر سياسية في أيّ إجراءات قد تتّخذها الحكومة اليوم بعدما مرّت ستّة أشهرعلى حرب غزة من دون وجود خطّة طوارئ تحاكي احتمالات الحرب التي لا تزال قائمة، وفي ظلّ عجز رسمي عن كبت حالات الاحتقان الداخلية.
أمّا لناحية مشاركة الوزراء المحسوبين على التيّار الوطني الحرّ فبدت أمس قيادات التيار منهمكة أكثر بانتخابات نقابة المهندسين وبتحليل “لقاء الصدفة” بين جبران باسيل وفارس سعيد في جرد العاقورة خلال الـ Hiking. لكن معلومات “أساس” افادت بأن يوم أمس شهد اتصالات بكافة الاتّجاهات أفضت إلى تعديل وجهة الجلسة من وزارية إلى تشاورية بغية إفساح المجال أمام مشاركة وزراء “التيار” فيها.