خاص – لم يعد لدى إيران ما تلعبه: الردّ أحرق آخر الأوراق

خاص – لم يعد لدى إيران ما تلعبه: الردّ أحرق آخر الأوراق

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
14 نيسان 2024

سريعاً تستنفد إيران أوراق القوة التي تمتلكها، ولكن من دون تحصيل أيّ فوائد، كما هو ظاهر حتّى الآن. ضحّت أوّلا بورقة “حماس”، على اعتبار أنّ الحركة ليست جزءاً أصيلاً من أذرعها في المنطقة. فهي غسلت يديها من هجوم السابع من تشرين، كي لا تتورّط في حرب إقليمية. ربّما لم تكن طهران تتوقّع حجم الردّ الإسرائيلي الذي لن يتوقّف قبل القضاء على الحركة. وإن تمكّنت، فإن إسرائيل تعمل لإفراغ القطاع من سكانه وفرض سيطرتها عليه نهائياً.

ومع “التضحية” بالحركة، كانت إيران حريصة كلّ الحرص على الحفاظ على “حزب الله” قويّاً. ومن أجل ذلك، بذلت كلّ الجهود لعدم توريطه في حرب واسعة، ولإبقاء مستوى القتال في الجنوب عند حدّ منخفض. وهو ما نجحت في تحقيقه حتّى الآن. وتحمّل الحزب في سبيل ذلك خسائر كبيرة في صفوفه، وعضّ على الجرح، وصبر، حتّى بعد  تنفيذ إسرائيل اغتيالات ضدّ قادة كبار لديه.

وكبديل، استخدمت إيران الفصائل التابعة لها في كل من اليمن والعراق، من أجل تشكيل ضغط على الأميركيين وعلى حركة الملاحة في باب المندب ومضيق هرمز. ولكن القوات الأميركية والبريطانية الموجودة في المنطقة تمكّنت من السيطرة في شكل كبير على عمليات الميليشيات العراقية والحوثيّين.

فبعد الضربة التي تعرّض لها مبنى على الحدود الأردنية ومقتل ثلاثة جنود أميركيين في أواخر كانون الثاني الماضي، ثم قيام واشنطن بالردّ عبر استهداف مواقع ايرانية في العراق وسوريا، وجهّت الولايات المتحدة تهديدات إلى إيران، تحمّلها فيها عواقب أيّ هجوم تقوم به ميليشياتها على القوّات الأميركية. وبالفعل أدّى التهديد غرضه، وتوقّفت الهجمات.

أمّا بالنسبة إلى الحوثيين، فقد تلقّوا ضربات عدّة من الاميركيين، استهدفت قواعد لإطلاق الصواريخ وسواها. كما أدّى التحالف الدولي الذي شُكّل لحماية الملاحة في هذه المنطقة إلى  تراجع الهجمات الحوثية في شكل كبير.

وأمام استنفاد أوراق الميليشيات المتحالفة مع إيران في كلّ من سوريا والعراق، وإبقاء “حزب الله” محيّداً إلى حدّ كبير، جاءت العملية الإسرائيلية بضرب مقرّ تابع للقنصلية الإيرانية في دمشق، ما أسفر عن مقتل قادة كبار في “الحرس الثوري”، أبرزهم العميد محمد رضا زاهدي، وهو من أرفع الضباط في “فيلق القدس”.

ولم يكن في مقدور طهران عدم الردّ، حفظاً لماء الوجه على الأقل. ولكنّها تعرف أنّ أيّ ردّ يتجاوز حدوداً معيّنة ويؤدّي إلى سقوط قتلى، ستكون له عواقب وخيمة. فالإدارة الأميركية أرسلت قبل أيّام تهديدات واضحة إلى السلطة في إيران، مفادها أنّ القوّات الأميركية ستتدخّل، في حال شنّ أيّ هجوم على إسرائيل. وهذا ما حصل بالفعل، حيث  اعترضت القوات الأميركية والبريطانية أكثر من 100 مسيّرة، إضافة إلى اعتراض صواريخ بالستية من على متن مدمّرتين أميركيّتين موجودتين في المنطقة. كما أكّد الاردنّ مشاركته في التصدّي للأجسام الطائرة التي دخلت أجواءه.

وقالت إسرائيل إنه تمّ اعتراض 99% من المسيّرات والصواريخ، ما منع وقوع  إصابات أو أضرار. وأتى الردّ، على ضخامته الشكلية، محدوداً. فقد كان الكلّ يعرف أنّ إيران ستردّ  بهذا الشكل، وتم تحديد التوقيت إيضاً، ما جعل الجهوزية كاملة للتصدّي للهجوم. وهكذا أتى الردّ تماماً كما أرادته إيران: يحفظ ماء الوجه ولا يجرّها إلى حرب.

ولكن هذا الردّ الذي فشلت فيه إيران في إصابة أهدافها، أظهر أنّ قوة الردع لديها لا قيمة لها عملياً. فإسرائيل لديها تفوّق كبير في الطيران والتكنولوجيا، كما أنّ الأميركيين مستعدّون للتدخل اذا ما تعرّضت حليفتهم للخطر. وما حصل ليلة السبت – الأحد بيّن أنّ طهران التي كانت تحتفظ بحقّها في التدخّل بنفسها كورقة قوّة، اضطرّت لاستعمال هذه الورقة باكراً، ما أدّى إلى احتراقها عملياً. ووفقاً لسيناريو الهجوم، فهي باتت تدرك أن أيّ عمل عسكري من جانبها سيجعل الأميركيين يدخلون الحرب للدفاع عن إسرائيل.

ماذا بقي لإيران إذاً لتلوّح به في وجه أعدائها ؟

ربّما ورقتها الأخيرة الآن هي “الصبر” الذي تعرف كيف تتحلّى به ،في انتظار تغيير موازين القوى الإقليمية والدولية، أو صرف الأنظار عن ملفاّت المنطقة. لكن إسرائيل لا تريد صرف النظر عن التهديدات التي تشكّلها الأطراف الحليفة لإيران على حدودها، وفي طليعتها “حزب الله”. فهي تعمل للوصول إلى وضع تنسحب فيه عناصر الحزب إلى ما وراء الليطاني، في شكل لا يعود أمن مستوطناتها الحدودية مع لبنان في خطر. وتريد ضمانات أكيدة لتحقيق ذلك.

عندما أتى المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين إلى لبنان للبحث في تسوية تقوم على ترسيم الحدود في مقابل انسحاب العناصر والسلاح إلى مسافة معيّنة، كان الحزب منفتحاً على الصفقة. لكن الحرب المستمرة في غزّة تسبّب له الإحراج، ولم تسمح بخوض مفاوضات ربّما تنتهي بتحقيق مكاسب للحزب في الداخل اللبناني، إضافة إلى حوافز اقتصادية. ولكن مع استنفاد الأوراق الإيرانية الواحدة تلو الأخرى، هل ستبقى مكاسب الحزب المتوقعة عند عقد الصفقة عند المستوى نفسه عندما يحين وقت الحلول، أو أنّ فقدان الأوراق الفاعلة ستخفّض من مستوى هذه المكاسب؟