خاص- إيران تبحث عن تسوية بأقلّ الخسائر
على وقع الحرب الضارية في غزّة والمناوشات في جنوب لبنان، هناك طرفان يريدان بكلّ جدّية وعزم التوصّل إلى تسويات وسلام. وهذان الطرفان هما الولايات المتحدة وإيران. فواشنطن المضطرّة إلى دعم إسرائيل في حربها، لا تكلّ عن الدعوة إلى وقف الصراع والبحث عن تسوية سياسية. أمّا طهران التي تقف خلف “حماس” و”حزب الله” في قتالهما ضد إسرائيل، فتسعى منذ اللحظة الأولى إلى توظيف أوراقها من أجل التوصل إلى تسوية تحفظ من خلالها دورها الإقليمي الفاعل.
لعبت إيران على حافة الهاوية منذ السابع من تشرين الأول. وكادت في مرّات كثيرة تنزلق وتقع، ولكنها أجادت حتّى الآن الثبات في مكانها وعدم التورّط في حرب إقليمية، كما عدم توريط ذراعها الأبرزفي لبنان، أي الحزب. فقد “دوزنت” الأدوار بين الفصائل الموالية لها في المنطقة. وعندما شعرت بالخطر، طلبت من الميليشيات في كلّ من سوريا والعراق عدم التعرّض للقوّات الأميركية، ودعت الحزب إلى توخّي الحذر الشديد في جنوب لبنان، فيما أبقت على الضربات المحدودة من جانب الحوثيين للمناورة.
أمّا الولايات المتحدة فتكثّف اتّصالاتها والزيارات المكّوكية لكلّ من وزير الخارجية أنطوني بلينكن والموفد آموس هوكشتاين، من أجل تسويق تسوية شاملة، تتضمّن شكل الحكم في غزّة وترسيم الحدود مع لبنان واستكمال عملية التطبيع بين إسرائيل والدول العربية والخليجية تحديداً.
ولكن، أمام التوصّل إلى تسويات في المنطقة عقبات كثيرة وأثمان يجب أن تُدفع. وما كان قبل 7 تشرين لن يبقى كما هو بعد الآن. فإسرائيل، التي شعرت بخطر وجوديّ، لن تنهي الحرب قبل الحصول على الضمانات الكافية لأمنها. كما أنّ بنيامين نتنياهو لن يفوّت الفرصة السانحة أمامه، إن استطاع، لدفن القضية الفلسطينية بكلّ مقوّماتها، من حلّ الدوليتن، إلى حقّ العودة، وصولاً إلى تهجير السكان.
ففي القطاع، يبدو نتنياهو مصرّاً على دخول رفح، على رغم الدعوات الأميركية إلى التبصّر في هذه الخطوة. لكن واشنطن لا يمكنها منع تلّ أبيب من الوصول إلى هدفها بالتخلّص من “حماس”، سواء عبر غزو رفح أو بأيّ وسيلة عسكرية أو غير عسكرية بديلة. وقد أدركت طهران أنّها خسرت عملياً ورقة “حماس”، بعدما استنفدتها في وقف عملية التطبيع مع السعودية وإعادة الضوء إلى الدور الإيراني كلاعب أساسي في المنطقة لا يمكن التوصل إلى تسويات من دونه. وهي أساساً أنكرت علمها بعملية “طوفان الأقصى”، فيما أكّد الأمين العام للحزب حسن نصر الله أنّ غزّة هي معركة فلسطينية بحتة وليس لها علاقة بأيّ ملفّ إقليميّ أو دوليّ.
وإذا كانت إيران قد قبلت بهذه الخسارة، فهي في المقابل حريصة كل الحرص على “جوهرة التاج” في لبنان، ولا تريد أن تُدخل الحزب في حرب تُضعف مكانته الإقليمية والداخلية. ولكن هل القرار في هذا المجال في يدها لوحدها؟ وبمعنى آخر، هل يمكنها أن لا تدفع أي ثمن عندما يحين وقت إبرام التسوية على الجبهة اللبنانية؟
في الواقع، كان الحزب منفتحاً منذ اللحظة الأولى على المبادرة التي حملها هوكشتاين، والقاضية بترسيم الحدود في مقابل الانسحاب إلى مسافة معيّنة وتطبيق القرار 1701 تطبيقاً فعلياً. ولكن التطورات الميدانية التي حصلت لاحقاً دفعته إلى وضع هذه المقترحات جانباً إلى حين انتهاء الحرب في غزّة.
وعندما يحين الأوان، سيكون على الحزب وإيران مواجهة سؤال كبير مطروح: ما هو مصير السلاح؟ وهل يمكن أن يبقى في الداخل إذا ما تمّ سحبه إلى ما بعد الليطاني مثلاً؟
على رغم الحرب الدائرة، فإنّ مصالح القوى الدولية والإقليمية تصبّ في إرساء السلام وعقد التسويات. ولا يمكن أن ننسى التحضيرات الجارية في السعودية لإتمام مشروع “نيوم” الضخم، وإطلاق “الممرّ الهندي” الذي يصل إلى الشرق الأوسط وأوروبا كمنافس لـ “طريق الحرير” الصيني. وهذه المشاريع كلّها تحتاج إلى الاستقرار لكي تنجح وتزدهر.
والملاحظ أن العلاقة بين السعودية وإيران التي شهدت تحسناً كبيراً في الآونة الأخيرة لم تتأثّر بالحرب الدائرة في غزّة. وهذا دليل آخر على إرادة المضي نحو التسويات من جانب كل من الرياض وطهران على حدّ سواء. فإيران أيضاً لديها مصلحة في عقد تسوية مع واشنطن، تضمن دوراً أساسياً لها، لكونها دولة إقليمية كبرى، باتت قريبة من انتاج قنبلة نووية. ومن مصلحة واشنطن إنهاء دور إيران كمزعزع للاستقرار في المنطقة.
ربّما تؤدي التسوية المقبلة، إذا تمّت، إلى عودة العجلة السياسية والاقتصادية إلى لبنان من خلال انتخاب رئيس الجمهورية ورفع القيود الدولية والخليجية عن النهوض الاقتصادي في هذا البلد. ولكن، لا بدّ من أن يكون هناك ثمن ما يدفعه “محور المقاومة” في المقابل. لذلك، تحاول ايران عقد الصفقة المنتظرة بأقل الخسائر الممكنة.