خاص – الحزب ينحني لتمرير العاصفة؟

خاص – الحزب ينحني لتمرير العاصفة؟

الكاتب: إيلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut 24
2 آذار 2024

بعد أربعة أشهر على الحرب في غزّة وجنوب لبنان، الرأي العام الإسرائيلي يتغيّر. صار أكثر قبولاً لإطالة أمد المعارك، وأكثر استعداداً لتحمّل أشهر عدّة أخرى من القتال وإخلاء المنازل، إذا كان الهدف الوصول إلى وضع ينتفي فيه خطر شن هجمات، سواء من الجنوب في غزة أو من الشمال عبر الحدود اللبنانية. وأظهر آخر استطلاع للرأي أن 67% من الإسرائيليين يؤيدون استمرار الهجمات على “حزب الله” حتى إبعاده عن الحدود.
حتى أنّ مسألة الرهائن المحتجزين لدى الحركة لم تعد ضاغطة على الحكومة، كما في الأيام الأولى للهجوم. وتمكّن بنيامين نتنياهو من تجاوز هذه الورقة، بمعنى أنها لم تعد تشكل مانعاً بالنسبة إليه أمام استمرار الحرب وتنفيذ الهجوم على رفح، وكذلك بالنسبة إلى توسيع الضربات ضد لبنان.
ففي غزّة، سيطر الجيش الإسرائيلي على الشمال والوسط والجنوب، ولم يبقَ إلّا رفح. وهو لا يريد التراجع، بعدما حقّق ما حقّقه. ويضغط من أجل دفع الحركة إلى الانسحاب مع قياداتها وترك القطاع، وإلّا فإنه سيهاجم رفح، حتى لو اضطرّ إلى نقل السكان أو دفعهم نحو سيناء.
امّا بالنسبة إلى لبنان، فإنّ الضغط الإيراني لتحاشي توسيع الحرب أعطى هامشاً أكبر لإسرائيل كي تستمرّ في غاراتها واستهدافاتها لعناصر الحزب وقادته، الذين يمارسون أقصى درجات ضبط النفس، منعاً للتورطّ في حرب كبيرة لا تريدها إيران الآن.
وثمّة مقالات تُنشر في بعض الإعلام الغربي، تشير إلى احتمال أن تستغلّ إسرائيل هذه الوضعية، لكي ترفع من وتيرة استهدافاتها، خصوصاً في مناطق جنوب الليطاني، حيث تشترط تراجع العناصر المقاتلة وسحب السلاح الثقيل.
ونقلت شبكة CNN عن إدارة الرئيس جو بايدن، أنها اطلعت على تقارير استخبارية تشير إلى استعداد إسرائيل لتنفيذ توغّل بري في لبنان في الربيع المقبل، بعد فشل الجهود الدبلوماسية للتوصل إلى اتفاق يحقق الأمن لمستوطنات الشمال. وأشارت المعلومات أيضاً إلى أنّ الطائرات الإسرائيلية قد تشنّ حملة غارات في العمق اللبناني، وصولاً إلى مناطق مأهولة بالسكان في بيروت والشمال، وإلى جسور وطرق أساسية كما حصل في العام 2006.
ثمّة من يرى في هذه التقارير مجرّد ضغط على الحزب كي يقبل بالشروط الإسرائيلية المتعلّقة بإبعاد المقاتلين عن الحدود وسحب الأسلحة. ولكن تقارير أخرى تؤكد أنّ تل أبيب لن توقف حربها على لبنان إلّا بتحقيق هذه الشروط. فهي ترتكز على ما حقّقته حتى الآن في القطاع، ولا تريد أن تتراجع قبل تحقيق الأهداف في لبنان، طالما أنّ الزخم العسكري قائم، والضوء الأخضر الأميركي جاهز، والرأي العام مؤيّد.
استناداً إلى هذه الوقائع، فإنّ الحزب يجد نفسه أمام خيارين: إمّا الدخول في حرب غير مضمونة النتائج، أو القبول بالتفاوض وصولاً إلى اتفاق يضمن أمن إسرائيل، التي لن تقبل هذه المرّة بقرارات دولية لا تنفّذ، ولا تقدّم ضمانات فعلية بسحب المظاهر المسلحة والأسلحة إلى مسافة معيّنة. وربّما تطالب بقوات دولية مع الجيش اللبناني لضمان عدم عودة السلاح والمقاتلين.
لذا، ترى مصادر إعلامية في واشنطن أنّ من المحتمل أن تشهد هدنة رمضان، إذا تمّت، إشارات لبنانية إلى الانفتاح على التفاوض حول “اليوم التالي” في الجنوب. وفي حال أظهر الحزب استعداداً جدّياً، فإن الموفد الأميركي آموس هوكشتاين قد يعود إلى بيروت، ليضع هذه المرّة الخطوط العريضة للحل الدبلوماسي الذي يمكن أن يجنّب لبنان الحرب.
ولكن هل الأمر بهذه البساطة؟
في العام 2006 دخل الحزب الحرب لأّنه “لم يكن يعلم”. ولكن في العام 2024، هو يعلم ما ستكون التبعات على لبنان وبنيته وتركيبته الهشّة. وبما أنه، كما إيران، يتمتّع بالبراغماتيّة، فإنّه قد يقبل باقتراح هوكشتاين الذي أبدى في الأساس مرونة تجاهه، لكنّه فضّل تأجيله إلى حين انتهاء الحرب في القطاع. ولكن، بما أنّ المفاوضات حول غزّة دائرة بين الجهات المعنية، فمن الممكن أيضاً أن تنطلق المفاوضات حول لبنان في شكل منفصل.
قد يُعطى لبنان ثمناً في المقابل بترسيم حدوده البرّية، ولكن ربما مع استثناء مزارع شبعا أو إيجاد وضع خاص بها موقتاً. كما أنّ الحزب يفضّل أن يبقى قوياً عندما يأتي الوقت للانكفاء إلى ملفات الداخل، لعلّه يحصد أثماناً بدلا من أن يدفع الأثمان.