خاص- الحرب في لبنان لم تعد مرتبطة بغزّة
أصبحت المعادلة التي أطلقها السيّد حسن نصر الله، ومفادها أنّ الحزب يوقف الضربات ضد إسرائيل عندما تنتهي الحرب في غزّة، غير صالحة بعد أربعة أشهر ونصف الشهر على السابع من تشرين. فحتّى لو أوقف الحزب هجماته، فإنّ تل أبيب لن تفعل هذه المرّة. فهي تتحضّر للخوض في الملف الأمني مع لبنان، سواء دبلوماسياً أو عسكرياً، كما يقول المسؤولون الإسرائيليون.
عملياً، تورّط لبنان في الحرب وقُضي الأمر. ولن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق. فإسرائيل مصمّمة، كما يبدو، على منع أيّ احتمال لهجوم مماثل لـ “طوفان الأقصى” ينطلق من لبنان. لذلك، هي تتصرّف على أساس أن المسار اللبناني منفصل عن مسار غزّة، وهي ستنصرف إليه بعد أن يستقرّ الوضع في القطاع على أرضية معّينة، تشكّل ما يسمى “اليوم التالي”.
العمل جارٍ على الخطة المستقبلية للقطاع بالتوازي مع استمرار الأعمال العسكرية والتهديدات باجتياح مدينة رفح. وتتكثّف الاتصالات الدولية والإقليمية من أجل التوصل إلى هدنة وتحرير عدد من الرهائن كمرحلة أولى. ولكن هذه الجهود لم تترك أيّ تأثير في قرار بنيامين نتنياهو دخول رفح برياً أو القبول بـ “خطة اليوم التالي” التي وضعها، والتي تعني عملياً سحق “حماس” وتسلّم زمام الأمن في القطاع وتجريده من السلاح مع رفض لحلّ الدولتين وقرار بإنهاء خدمات “الاونروا”. وهذه الخطة، لو نُفّذت، تُعتبر في الواقع تصفية للقضية الفلسطينية.
وصار واضحاً أن نتنياهو لا يريد أن ينهي الحرب سريعاً، لا بل يسعى إلى الاستفادة من الزخم العسكري للسيطرة على القطاع لمرّة أخيرة. فقد أخذ الضوء الأخضر من واشنطن لدخول رفح، لكن مع شرط نقل السكان إلى أمكنة آمنة. وحتّى أنّه لم يعد يبالي برأي الإدارة الأميركية، طالما هو يعرف جيّداً أن الدعم الأميركي لإسرائيل لن يتوقّف، وسيستمر وصول السلاح والمعدّات القتالية الحديثة. ويبدو أيضاً أنّه تجاوز ملف الرهائن، ولن يغيّر في خططه العسكرية من أجلهم. وهذا يعني أن هذه الورقة لم تعد حصاناً رابحاً بالنسبة إلى الحركة، كما كانت في الأيام الأولى بعد الهجوم.
واستناداً إلى هذه المعطيات، يمكن لنتنياهو أن يطيل عمر الحرب قدر ما يشاء. لا بل هو يفضّل البقاء في حرب استنزاف من الآن وحتى نهاية عهد الرئيس جو بايدن، الذي يظهر أن حظوظه تتراجع أمام ارتفاع أسهم دونالد ترامب الحليف الذي لا يضاهى بالنسبة إلى إسرائيل. فهو قدّم لها ما لم يقدّمه أي رئيس أميركي آخر، بدءاً من “صفقة العصر” وليس انتهاء بالاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل.
وفي لبنان، ربّما يتأخّر البحث في الحلول إلى ما بعد الانتهاء من موضوع غزّة. والدليل أن الحكومة الإسرائيلية مدّدت إخلاء المستوطنات الشمالية. وربّما تستغلّ أي هدنة في القطاع لتوسيع ضرباتها. ولا شيء يمنعها من الاستمرار في عمليات استهداف الكوادر في الحزب، طالما هي تعرف أنّ إيران تمارس ضغوطاً من أجل عدم الانزلاق إلى حرب واسعة، حتى لو كلّف الأمر تضحيات من جانب المقاومة.
وفي المقابل، صار الحزب أسير مقولته بأن لا حديث في أي حلّ في لبنان ما دام الميدان مشتعلاً في غزّة. ومن هنا، رُفضت بالمبدأ المبادرة الفرنسية الأخيرة، كما تمّ تأجيل أي بحث في الاقتراحات التي كان يحملها الموفد الأميركي آموس هوكشتاين. أمّا الاقتراح البريطاني بنصب أبراج مراقبة على الحدود، فجاء الموقف السوري منه تعبيراً عن رفض ايران والحزب له.
ولكن، على رغم ذلك، ربّما يضطر الحزب إلى البدء بالتفاوض بمعزل عن انتهاء الحرب في غزة. والسبب أنه لا يمكن الانتظار طويلاً، فيما يُقتل الكوادر الواحد تلو الآخر، بينما قدرة الردّ محكومة بعدم توسيع الحرب حفاظاً على مصالح إيران. كما أنّ الوضع الداخلي اللبناني يضغط في اتجاه رفض أن يدفع لبنان ثمن الحرب في القطاع. وهو ما عبّر عنه “التيار الوطني” عندما رفض منطق وحدة الساحات، بغض النظر عن الغايات الحقيقية وراء هذا الموقف العوني.
لكن إيران تسعى إلى التفاوض، من أجل أن تكسب من خلال تسوية تقدّم فيها نفسها على أنها اللاعب الذي لا بدّ منه. وفي الطريق، يحقّق الحزب بعض المكتسبات، من مثل رفع التضييق الاقتصادي الأميركي والأوروبي، وحتى الخليجي، عن لبنان. ويحافظ الحزب على قوته في الداخل. ولكن عليه في المقابل أن يدفع أثماناً تتعلق بأمن إسرائيل. وهنا يأتي دور هوكشتاين الذي يمكنه أن يعود عندها إلى مبادرته.
فهل يتمكن الحزب من إبرام الحل في الوقت المناسب، ويحقّق ما أمكنه من أرباح، قبل أن تطرأ ربّما متغيرات على المشهد تقلّل من حجم المكتسبات الموعودة؟