خاص – “تكويعة” التيار إلى أين؟
قد يكون “التيار الوطني الحر” تساوى أو تفوّق حتّى على وليد جنبلاط في عدد التكويعات السياسية والانتقال من ضفّة إلى ضفّة أخرى معاكسة. فالعماد ميشال عون بدأ حياته السياسية واكتسب شعبيته، عندما أعلن “حرب التحرير” ضد سوريا، والتي انتهت بدخول سوريا إلى “المناطق الشرقية” ونفيه إلى باريس. ثم عاد إلى لبنان في العام2005 على جناح 14 آذار، قبل أن يوقّع بعد عام واحد وثيقة “تفاهم مار مخايل” التي جعلته حليف “الحزب” وأوصلته عملياً إلى الرئاسة.
اليوم، يطلق الرئيس السابق ميشال عون فجأة مواقف تناقض توجّهاته السابقة في دعم المقاومة وسلاحها. وعلى عكس قناعاته التي عبّر عنها في حرب تمّوز، ها هو ينتقد فتح جبهة في الجنوب، مؤكداً أن لبنان “غير مرتبط بمعاهدة دفاع مع غزّة”، ومعتبراً أن “الدخول في المواجهة قد لا يبعد الخطر، بل يزيده”. وأتى كلام رئيس “التيار” النائب جبران باسيل في اليوم التالي ليكرّر المنطق الجديد، ولو بعبارات أقلّ وطأة.
يمكن لمن يحلّل مضمون الكلمتين أن يذهب في تعداد الدوافع بين حدّين واسعين: الأول أن يكون موقف “التيار” مجرد مناورة في الملف الرئاسي، والثاني: أن يكون هناك تغيير استراتيجي في الموقف على خلفية الحرب الدائرة والانقلاب الذي تشهده المنطقة ولبنان. ولا يمكن من الآن معرفة الخلفيات الحقيقية التي دفعت العماد عون إلى قول ما قاله.
ولكن، يمكن للكلام الجديد الذي طرحه “التيار” أن يصيب عصافير عدّة بحجر واحد. فالخلافات بدأت بين “الحزب” و”التيار” منذ انتهاء ولاية الرئيس عون، وإعلان “الحزب” أن مرشحه هو سليمان فرنجية. ولم تفلح كل مناورات جبران باسيل في جعل حليفه في “تفاهم مار مخايل” يتخلّى عن مرشحه، حتى عندما لوّح باللامركزية المالية وطالب بالصندوق الإئتماني. وتعمّق الخلاف عندما شارك وزراء “الحزب” في جلسات مجلس الوزراء من أجل التمديد للعماد جوزف عون ثم تعيين رئيس للأركان، ولم يراعوا بذلك خاطر باسيل. وحتّى نّ تقاطع “التيار” مع المعارضة على انتخاب جهاد ازعور لم يحرّك شيئاً في قرار “الحزب” المتعلق بالرئاسة.
فهل هذا يعني أن باسيل قرّر تكبير الحجر، بالتنسيق مع الرئيس عون، من أجل إفهام “الحزب” أن فكّ التحالف معه قد يجعله يخسر الغطاء المسيحي، خصوصاً في ظل الحرب التي يخوضها في الجنوب؟ وهل يجرؤ “التيار” فعلاً على الانتقال إلى صفوف المعارضة في شكل كامل، كما كان الموقف بُعيد 14 شباط 2005؟
من وجهة نظر”الحزب”، هو يرفض الآن الخوض في مضامين كلام عون وباسيل. فالأولوية لديه هي للوضع في الجنوب، وبعدها لكل حادث حديث. ولكن أوساطه تنقل استياء لجهة التوقيت الذي صدرت فيه هذه المواقف في خضم حرب يخوضها ضد إسرائيل.
أما المعارضة فتقارب موقف “التيار” الجديد بحذر. ويقول مصدر في “القوات اللبنانية” لموقع beirut 24 إنّ “العلاقة بين القوات والتيار يحكمها التقاطع الحاصل من ضمن صفوف المعارضة في الموضوع الرئاسي، أي حول الاتفاق على اسم جهاد أزعور، وهذا يشكل تطوراًَ مهماً في حدّ ذاته”. ويصف المصدر المواقف الأخيرة للعماد عون بالمهمّة، ولكن “يجب أن تكون مبدئية وثابتة ولا علاقة لها باللحظة السياسية”.
واعتبر المصدر في “القوات اللبنانية” أنّ مواقف “التيار” الأخيرة هي إمّا ردّة فعل على الحزب، أو أنها استشعار لمزاج الرأي العام المسيحي الرافض لتوريط لبنان في الحرب. ويقول: “ما نأمله هو أن تكون المواقف الصادرة عن كل من عون وباسيل نتيجة قراءة ومراجعة سياسية للضرر الذي يشكّله الحزب على لبنان بسبب إلحاقه البلاد بإيران ورفضه تسليم سلاحه، لا أن تكون ردّة فعل على فعل قام به الحزب في موضوع الرئاسة والتعيينات العسكرية”.
في أي حال، يمكن ملاحظة عدد من المعطيات قد تكون دفعت “التيار” إلى إعلان موقفه الرافض لوحدة الساحات، ومنها:
1- الرأي العام المسيحي الرافض لتوريط لبنان في حرب تدميرية ستقضي على القليل المتبقي من نفَس في هذا البلد، وتجعل المناطق المسيحية تدفع ثمن حرب لا تريدها. وقد سبق للبطريرك مار بشارة الراعي أن اشار إلى هذا الموضوع، فشُنّت حفلة تخوين في حقّه. وقد تزامن موقف “التيار” الجديد مع معلومات نُشرت عن أنّ هناك أنفاقاً تمتد من أعالي منطقة جبيل إلى الساحل والبقاع، ما يهدّد المناطق في جبل لبنان بالتعرض للقصف الإسرائيلي.
2- يحتاط باسيل لعدم وصوله إلى الرئاسة واحتمال وصول قائد الجيش. إذ ثمّة من يرى أن ست سنوات ستكون كفيلة بخفض شعبية “التيار” إلى الحدّ الأدنى، خصوصاً بعد تنحي الرئيس عون، وبالتالي ستؤدي إلى خسارة أي فرصة مستقبلية لباسيل للجلوس على كرسي بعبدا. أمّا إذا “كوّع” الاتجاه صوب المعارضة، فربما يحافظ بذلك على شعبيته وموقعه.
3- يحسب “التيار” خط الرجعة. فنتائج الحرب في غزّة ستغيّر موازين كثيرة في المنطقة. لذا يفتح خطاً مع المعارضة من دون أن يقطع حتى الآن مع “الحزب”، إلى حين يعرف إلى أين سيكون اتجاه “تكويعته”.