خاص – هل يُستدرج “الحزب” إلى الحرب الواسعة؟
دخل “حزب الله” الحرب على خلفية مساندة غزّة و”مشاغلة العدو”. وظلّ يحسب ردوده وضرباته بميزان دقيق، حتّى لا ينزلق إلى حرب لا يريدها لا هو ولا إيران. فلدى الحزب قدر من الحنكة والذكاء والبراغماتية جنّبه حتى الآن توسيع نطاق الاشتباك مع إسرائيل.
صحيح أنه قادر على التحكّم بردود فعله إلى حدّ كبير، ولكن لا يمكنه توقّع ما قد تقدم عليه تلّ أبيب، التي يبدو أنّها تريد استدراج الحزب إلى توسيع نطاق الحرب، من أجل تسريع الحلّ للمسألة الأمنية على الحدود، ومحاولة فرض شروطها في التفاوض المرتقب.
في أيّ حال، كانت المرحلة ما بين أواخر شهر كانون الثاني الماضي والرابع من شباط الحالي مشوبة بخطر اتساع الحرب على أكثر من محور. إذ شكّل استهداف ميليشيا “كتائب حزب الله ” العراقية لموقع أميركي على الحدود السورية الأردنية ومقتل 3 جنود أميركيين، تجاوزاً للخطّ الأحمر من قبل ايران وأذرعها.
وكما أورد موقع beirut24 في مقالة في 14 شباط، فإنّ الأميركيين أبلغوا إيران أنها لن تكون في منأى عن الاستهداف المباشر، ما لم توعز للميليشيات الحليفة في العراق وسوريا بالتوقف عن استهداف القوات الأميركية في المنطقة. وأتى هذا التحذير بالتزامن مع ضربات نفّذها الأميركيون، أدّت إحداها إلى مقتل القيادي في “كتائب حزب الله” أبي باقر الساعدي في غارة في بغداد.
وأكد الخبرُ الذي أوردته وكالة “رويترز” المعطيات التي سبق أن نشرها موقعنا، وهي أنّ زيارة قائد “فيلق القدس” اسماعيل قاآني للعراق، والتي أتت بعد 48 ساعة على الهجوم الذي استهدف الأميركيين، هدفت إلى الاجتماع مع ممثلي الفصائل، ودعوتهم إلى وقف الهجمات على القوات الأميركية. وبالفعل، لم تسجّل منذ الرابع من شباط أي استهدافات للقوات الأميركية في العراق وسوريا.
كما زار بيروت وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان، حيث التقى الأمين العام للحزب حسن نصر الله، وطلب منه إبقاء منسوب التصعيد منخفضاً على الحدود الجنوبية، تجنباً لتحقيق الأهداف الإسرائيلية بتوسيع الحرب، ما يؤدي إلى خسارة طهران المكاسب التي حقّقتها منذ عملية “طوفان الاقصى” حتى اليوم.
وتعتبر إيران أنّ حرب غزّة حقّقت لـ “محور المقاومة” نقاطاً تصبّ في مصلحته. وليس من الحكمة التفريط بها. وهذه المكاسب هي: عودة المنطقة إلى قلب اهتمامات العالم، تكريس إيران كلاعب أساسي في أي تسوية مقبلة، وقف عملية التطبيع التي كانت قد بلغت مراحل متقدمة بين السعودية وإسرائيل وبالتالي إقفال الطريق على أي عمليات تطبيع مماثلة تقوم بها دول خليجية أخرى. كما ترى طهران أنّها تمكّنت عبر استهداف الميليشيات العراقية للأميركيين من تسريع عملية البحث في انسحاب القوات الأميركية من العراق. ويشار إلى أنّ لدى الولايات المتحدة 2500 جندي في العراق و900 جندي في سوريا، يؤدّون دوراً استشارياً، بعدما شارك التحالف في الحرب ضد “داعش” في كلا البلدين.
ولكن، هل النجاح في لجم الأذرع الإيرانية في العراق، على الأقل راهناً، ينعكس على ساحات أخرى، ومنها لبنان؟
بالطبع، لا يقوم “الحزب” بأي خطوة، خصوصاً في مسائل مهمّة كالحرب الدائرة الآن مع إسرائيل، إلّا بتوجيهات مباشرة من إيران. وهو لا يُقارَن مع الفصائل الأخرى من حيث دوره الكبير في امتداد مشروع إيران الخارجي، لا بل هو يوصف بأنّه”جوهرة التاج”. وانطلاقاً من ذلك، يُطرح السؤال: لماذا شهد الوضع العسكري تصعيداً لافتاً بعد وقت قليل فقط على اختتام عبد اللهيان زيارته للبنان، بدلاً من أن ينخفض التصعيد نزولاً عند الطلب الإيراني؟ ولماذا رفع نصر الله سقف خطابه في كلمته الأخيرة، تحت شعار “الدم بالدم”؟
قد يكون لكل من الفصائل الموالية لإيران في اليمن والعراق وسوريا ولبنان خصوصيتها في التعامل مع المعطيات المحلية، لكن بالطبع ضمن هوامش محدودة. ومن هنا يُقرأ التصعيد الأخير عبر استهداف قاعدة عسكرية اسرائيلية في مدينة صفد، ما شكّل تطوراً كبيراً في قواعد الاشتباك، من حيث نوعية الهدف والعمق الذي بلغته العملية. وبعد سلسلة الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت كوادر في الحزب، وآخرها اغتيال القائد في قوة “الرضوان”علي الدبس ومساعده عيسى ابراهيم وآخرين في النبطية، كان “الحزب” مضطرا إلى رفع منسوب الردّ، لأسباب عدة، منها إبقاء نوع من التوازن في الردود مع إسرائيل للمحافظة على صورة الردع، كما أنه لا يريد أن يظهر ضعيفاً أمام بيئته الشعبية، على رغم توصيات إيران بخفض مستوى التصعيد.
ولكن يبدو أن إسرائيل تستغلّ هذا الوضع، وتعمد إلى توسيع نطاق الاستهدافات لمسؤولين رئيسيين في “الحزب”. وربّما تلجأ إلى استدراجه لتنفيذ ردود تؤدي إلى تفجير الحرب الواسعة. فإلى أي حدّ يمكن للحزب أن يضبط الأيقاع وأن يتفادى أي خطوة ناقصة؟