خاص – رسالة تحمل حلولاً للأزمة المالية والمصرفية
اقتراح حلول للأزمة المالية المصرفية وتعليق على مشروع القانون المتعلق بمعالجة اوضاع المصارف وتنظيمها في لبنان
للدكتور في الحقوق باسكال ضاهر
: في رسالة موجهة
الى وزير المهجّرين الأستاذ عصام شرف الدين
المرجع: الإتصال الهاتفي الذي حصل فيما بيننا بتاريخ 13/2/2024.
بدايةً، تقتضي الإشارة إلى انتفاء الحاجة لأيّ قانون جديد يرمي إلى معالجة أوضاع المصارف في لبنان وإعادة تنظيمها وهيكلتها، بسبب توافر عدد من القوانين المرعية الإجراء، وهي:
– قانون تسهيل اندماج المصارف الرقم 192 لعام 93 الذي صدر إبّان عهد دولة الرئيس الشهيد رفيق الحريري والمعدّل بالقانون الرقم 675 لعام 2005، وهو يعطي تحفيزات ضخمة للمصارف، مع الإشارة إلى أنّ إعادة الهيكلة هو شأنٌ داخليّ مصرفيّ يتّصل بحدود المؤسّسة المصرفية تحت إشراف المصرف المركزي، ومن الممكن إعطاء تحفيزات أخرى لتشجيع الإنتهاء من عمليات الدمج من خلال منح فترة سماح مؤقّتة يتمّ خلالها تمكين المودعين من سحبٍ مضبوط بعملة الحساب المصرفي.
– ومن ثمّ في حال إخفاق المصارف في عملية الدمج يتمّ اللّجوء إلى أحكام قوانينَ أُخرى مثل القانون الرقم: 2/67 وتعديلاته كافّة.
– إضافةً إلى ما تقدّم فإنّ إطار الحلّ السليم الذي يحمي الثقة الإئتمانية ويعزّز القطاع المصرفي ويُعيد الثقة إليه، يبقى واقعاً ضمن الإجراءات التالي بيانها:
– إعادة درس التعاميم التي صدرت عن المصرف المركزي المتناقضة بالمطلق مع أحكام قانون النقد والتسليف، والتي أسّست إلى الوصول للأزمة الراهنة لا سيما وأنّها رمت بمُجملها إلى استقطاب غير قانوني للودائع الدولارية بمقابل فوائدَ فاحشة وعمولات، بغية منحها بصورة أو بأخرى للحكومة خلافاً لأحكام المواد (90) و(91) من قانون النقد والتسليف وأيضاً خلافاً للمادة (88) من الدستور اللبناني، ويمكن حصر هذه التعاميم بتلك المتصلة بشهادات الإيداع والتوظيفات الإلزامية والهندسات المالية[1]، على أن يُصار إلى ترتيب النتائج القانونية كافّة من إعادة جميع الأرباح والفوائد غير المشروعة والترابح الذي حصل والأموال التي نتجت عنه، لا سيما وأنّ الهندسات المالية قد أنتجت وفقاً لبيان خبراء صندوق النقد الدولي الصادر في العام 2018 عدداً من السلبيّات[2] التي أوصلت إلى الحالة الراهنة؛ ومن المفيد الإشارة هنا إلى ما أورده الدكتورBenoît Mandelbrot[3] في إطار تحذيره من الهندسات المالية “بأنها غير متّصلة بواقع الأسواق المالية، وهي كانت موضوع تساؤل أمام أزمات البورصة غير المتوقعة، ممّا أدّى إلى اتباع سياسة لإدارة هذه الأزمات وُصفت من قبل هذه المؤسسات المالية بأنها غير مسؤولة،” وأيضاً أورد الدكتور Nassim Nicholas Taleb[4] بأنّها قد “أدّت إلى سلسلة من الإنهيارات الإقتصادية بحيث دفعت العديد من الحكومات العودة إلى الهندسة الحقيقية بدلاً من الهندسة المالية، إلى حدّ وصفها أنّها (مضلّلةٌ بشكلٍ خطيرٍ)،” وأكثر من ذلك، فإنّ صاحب هذه النظرية المالية عالم الاقتصاد الأمريكي Harry Markowitz قد أكّد على ضرورة أن يتمّ استثمار العوائد بالإقتصاد الوطني الأمر الذي لم يحصل بل جرى توزيع العوائد كأرباح.
– تفعيل المادتين (9) و(10) من المرسوم الإشتراعي الرقم 120 لعام 1983 وإعادة فتح السوق الشرعي للتداول الحرّ للعملات، وتمكين المصرف المركزي من ممارسة دوره المحدد في المادة (75) من قانون النقد والتسليف المعطوفة على المادة (69) منه، بغية تمكينه من تكوين احتياط من العملات الصعبة التي ستنشأ وتتكوّن من أرباحه الناتجة عن تدخّله في هذه السوق، ممّا سيعزّز إحتياطاته المملوكة منه، بخلاف الإحتياطي الإلزامي غير المملوك منه والمكوّن من الودائع.
– تفعيل أحكام المادة (208) من قانون النقد والتسليف المتّصلة بتمكين المصرف المركزي من ضبط ورقابة معايير القطاع المصرفي لكلّ مصرف وهي: الملاءة، السيولة، رأس المال، الأموال الخاصة، و/أو التحقّق من تطبيق التعميم الرقم 119/08.
– فرض إعادة كامل رأس المال قبل ضبطه.
– فرض إعادة القروض التي سُدّدت على سعر صرف وهمي وقدره 1500 ل.ل. أو ما شابه (وهنا تستطيع المصارف إقامة دعوى الكسب غير المشروع على غير مقترضي التجزئة الذين أوفوا بغير القيمة الحقيقيّة لسعر الصرف سنداً للمواد (141) من قانون الموجبات والعقود وما يليها.)
هذه عيّنة مقتضبة عن بعض الإجراءات والحلول التي من الممكن حال اعتمادها أن تؤدّي وبشكلٍ سريع إلى إعادة إحياء انتظام الوضع المالي والمصرفي الشاذّ وبظرف فترة قياسية.
أما بالنسبة لمشروع القانون موضوع السؤال، نفيدكم بأنّ واضعه قد اتّجه إلى معالجة النتيجة دون الأخذ بالإعتبار الآثار التي ستنعكس سلباً على تقهقر الثقة الإئتمانية، وأيضاً دون معالجة الأسباب، واتّبع منهجيةً أَبعدَته عن الإستقامة الدستورية، وهو وإن تضمّن بعض النواحي الإيجابية المتوافرة أصلاً ضمن القوانين المرعية الإجراء، إلاّ أنّه يتناقض في جوهره مع الدستور اللبناني ومع الإتفاقيات الدولية ذات الصلة التي تحمي الملكية الخاصة، كما ومع كامل كتلة المشروعية. وأكثر، فإنّه يتناقض حتى مع أسبابه الموجبة، لا سيما وأنّه لن يؤدي إلى حماية الودائع ولا القطاع المصرفي. كما وأنّ إقراره سيؤدي إلى ضرب الثقة الإئتمانية بهذا القطاع، وإلى إبعاد حركة رأس المال عن الجمهورية اللبنانية لا سيما وأنّ القاعدة الأولى لرأس المال تفيد بأنّه “لا يستكين إلاّ لدولة القانون،” وهذا ما سعت إلى حمايته الأسباب الموجبة لقانون النقد والتسليف والتي ورد فيها: “أنّ استرداد المودع لوديعته المنصوص عليها في المادة (307) تجارة يكون تماماً كاستردادها من صندوقه الخاص.” وورد فيها تحت عنوان “القواعد الأساسية لتسيير العمل المصرفي السليم”: “تشكّل الودائع أساس مورد كلّ مصرف بيد أنّ بقاءها ونموّها لدى المصرف هما جوهرياً قضيّة ثقة، ثقة المودعين المرتكزة على اليقين من أنّ أموالهم في المصرف هي في مأمن مثلها في صندوقهم (as good as cash) لأنّ في وسعهم التصرّف بها في كل حين أو في المهل المتفق عليها، وهذا هو نفس التعهّد الذي يرتبط به المصرف تجاههم بموجب عقد الإيداع. وهذا الموجب يطرح على المصرف مسألة السيولة التي تعني أن يتمكن من جعل موجوداته جاهزة سريعاً وبدون خسارة.”
وسنداً لما تقدّم، نشير باقتضاب إلى بعض المخالفات والتناقضات التي اعترت مشروع القانون موضوع التعليق:
– إنّه من غير الدستوري القول بأنّ هنالك فجوة دون بيان حقيقتها بأنّها ارتكابات ومخالفات قانونية وفق ما ورد في تقرير التدقيق الجنائي.
– إنّه من غير الدستوري تجميد مفاعيل كامل كتلة المشروعية بهدف اعتماد هذا المشروع المتناقض مع مندرجاتها كافة وفق ما ورد في المادة (40) منه لأنّه وفي حال حصل ذلك سيبقى متناقضاً مع الفقرة “واو” من مقدمة الدستور اللبناني والمادة (15) منه.
– إنّه من غير الدستوري الإنتقال بأدوات إعادة الهيكلة مباشرةً إلى اعتماد الإنقاذ بالمشاركة الداخلية bail-in وبالتخفيض من قيمة الودائع، لا سيما وأنّ الأحكام القانونية تمنع المدين من إلغاء دَينه عن طريق تخفيض قيمته، الأمر الذي يناقض مبدأ الإستقامة المنصوص عليه في المادة الثالثة من قانون التجارة.
– إنّه من غير الدستوري اعتماد التفرقة بين الحسابات المصرفية لا سيّما وأنّ هيئات الرقابة يقع عليها واجب التدقيق الدائم بكلّ أمرٍ مشبوه يتّصل بحركة المال، بغية ضبط الأموال غير المشروعة مهما بلغت قيمتها، وبالتالي فإنّ اعتماد هذا المشروع الرقم 500.000 د.أ. (خمسمائة ألف دولار أميركي) لتبرير الحساب الخاص بالمودع والرقم 300.000 د.أ. (ثلاثمائة ألف دولار أميركي) لتبرير حساب الموظف العمومي يفيد بأنه يسمح بتراكم أموال غير مشروعة ضمن سقف حدّ أدنى واقع بين300 ألف و500 ألف دولار أميركي بما يناقض القوانين ذات الصلة، وهذا ما سينعكس على تعمّق الفساد في الجمهورية اللبنانية.
– لماذا إعتماد هذا المشروع تاريخ 17 تشرين 2019 دون سواه للتفرقة بين حساب مؤهل وغير مؤهل وفصّل لكلّ منهما أسلوب احتساب يختلف عن الآخر؟ كما والأمر عينه بالنسبة لإعادة فائض الأموال؟ لا سيما وأنّ الأزمة كانت واقعة منذ ما قبل هذا التاريخ؟ ومع ضرورة لفت النظر أيضاً إلى عدم قانونية التفرقة الحاصلة وذلك بسبب أنّ المودع هو الخاسر الوحيد، لأنّه حينما أقدم على بيع حسابه المصرفي بموجب شيك في السوق بسبب امتناع المصرف عن قبول الشيك وامتناعه عن فتح كنتواره وحسمه قيمة الشيك كاملاً من حساب عميله، ليس هنالك من خسارة سوى على هذا الأخير.
– اعتمد المشروع وصف الحساب غير المؤهل بأنّه الذي جرى تحويله إلى عملات أجنبية بعد تاريخ 17 تشرين اول 2019 وفقاً لسعر صرف تعامل مصرف لبنان مع المصارف قبل تاريخ 2 شباط 2024، الأمر الذي يفيد بالمفهوم الشامل بأنّ جميع التعاملات التي حصلت بين مصرف لبنان والمصارف، وبين هذه الأخيرة والغير منذ تاريخ 17 تشرين الأول 2019 حتى تاريخ 2 شباط 2024 والقائمة على أساس سعر الصرف المعتمد من مصرف لبنان طيلة تلك الفترة هي غير مؤهلة وضمناً جميع ميزانيات المصارف التجارية وحسابات الشركات والأفراد وتصاريحهم، ممّا سينعكس خللاً إضافياً في الإنتظام المالي.
– اعتماد التفرقة في الحسابات المصرفية بين مشروع وغير مشروع ومؤهل وغير مؤهل وفريش سيؤدي إلى عدم إنتظام داخل كلّ مؤسسة مصرفية لا سيما وأنّه سيعدّد الميزانيات لكلّ فئة.
– إنّه من التناقض القول كما ورد في المادة (48) فقرة جيم بند 1 و2 بأنّ تأمين المبلغ المحمي يتم مناصفة بين المصرف المعني وتوظيفاته بالعملات الأجنبية لدى مصرف لبنان، لأنه وإذا كانت هذه التوظيفات متوافرة وسائلة فلماذا لا يتم ردّها إلى المصرف التجاري ومنه إلى المودعين؟
– إنّه من غير الدستوري نقل الحساب المصرفي من كيان مؤسسة قانونية تُدعى الوديعة إلى مؤسسة قانونية مختلفة تماماً وتدخل في باب الإستثمار وتُدعى سندات مالية سواء أكانت صفرية أو سواها.
– إنّه من غير الدستوري نقل الذمم المالية إلى صندوق بدون موافقة الدائن الصريحة الحرة والناجزة.
– إنّه من غير القانوني القول في المادة الأخيرة من المشروع بأنّ هنالك ظروفاً استثنائيّة بسبب نفي القضاء بشقّيه الإداري والعدلي تحقّق أسباب هذه النظرية، لا سيما وأنّها لم تكن غير متوقّعة الحدوث، إضافةً إلى أنّه من غير القانوني أيضاً فرض تسديد القروض الممنوحة في المستقبل بالعملة الأجنبية، بسبب أنّ عقد القرض يمثّل شريعة المتعاقدين وهو القانون الأسمى الواجب التطبيق سنداً لأحكام المادة (221) من قانون الموجبات والعقود المتّصلة بالقاعدة الكلية Pacta sunt servanda، الأمر الذي يفيد بأنّه لا مانع يحول دون اعتماد مادة في متن هذه عقود تمنع الإيفاء بغير عملة العقد.
– أخيراً نلفت نظركم إلى أنه وإنّ حرّر هذا المشروع أصحاب الحسابات المصرفية بالليرة اللبنانية، إلاّ أنّه لم ينصفهم، لا سيما وأنّه لا ذنب لهم سوى ثقتهم بالنظام، وأكثر، لأنّ سياسة التضخم الناتحج عن طبع العملة كانت متعمدة وفق ما قد أقرت به موادّ مشروع القانون.
بكل احترام الدكتور باسكال ضاهر