خاص-كل الطرق تؤدي إلى سيناء

خاص-كل الطرق تؤدي إلى سيناء

الكاتب: إيلين زغيب عيسى
16 شباط 2024

لا يريد بنيامين نتنياهو ان يفوّت الفرصة المتاحة عبر الحرب لمحو غزّة عن الخارطة وترحيل الفلسطينيين عنها، إن استطاع. فهو لم يتوقّف عن التهديد باجتياح رفح، آخر ملجأ للفلسطينيين في القطاع، على رغم كلّ التحذيرات من حمّام دم مروع. وحجّته في ذلك أنه لن يوقف الحرب قبل القضاء على “حماس”، التي بات قادتها يختبئون الآن في أنفاق رفح، المدينة التي تأوي ما يقارب المليون ونصف المليون فلسطيني رحلوا تكرارا من الشمال إلى الوسط، وصولاً إلى الحدود مع مصر.

اشترطت الولايات المتحدة على نتنياهو من أجل إعطائه الضوء الأخضر لاجتياح رفح، تقديم خطّة واضحة لإجلاء المدنيين وإبعادهم عن أماكن القتال. ولكن، إلى أين سيذهب كلّ هؤلاء، بعدما سُوّيت مناطقهم في الشمال بالأرض، ودُمّرت مناطق الوسط أيضاً، وليس أمامهم سوى البحر أو سيناء المقفلة بدورها في وجههم حتى الآن؟

وبالفعل، تمّ عرض طروحات عدة قدّمها الجانب الإسرائيلي، لكن جميع هذه الطروحات تبدو غير واقعية.

ويقوم أحد الطروحات على إنشاء حوال 350.000 خيمة من ضمن 15 مخيماً تمتدّ على طول المنطقة الساحلية في منطقة المواصي. ويمكن لمصر أن تدير عملية إدخال المساعدات في مجالات مختلفة من طبية وغذائية وسواها. كما يمكن وصول الإمدادات إلى هذه المنطقة عبر البحر لوقوعها على الساحل. واستناداً إلى صحيفة “واشنطن بوست”، فإن هذا الطرح الذي عُرض في اجتماعات في القاهرة لم يلقَ الاستحسان. فالمنطقة هي كناية عن شريط ساحلي ضيّق، ليس فيه بنى تحتية للأونروا لإدارة شؤون النازحين. كما أنه لن يكون آمناً بما يكفي، وهو يتعرّض للقصف أحياناً.

أمّا الاقتراح الثاني فترفضه إسرائيل نفسها. ويقوم على إجلاء المدنيين عبر معبر ايريز إلى الشمال من جديد. ومع أنّ كثيرين من السكان قد يفضّلون الإقامة في خيم قرب منازلهم المدمّرة، فإن السلطات الإسرائيلية تعتبر أنّ إعادة السكان إلى الشمال هي مكسب للحركة. وبالتالي هي ترفض هذا الاقتراح، ما دام السكان الاسرائيليون في غلاف غزة خارج منازلهم أيضاً، فيما الحلّ السياسي بعيد المنال.

ويبقى الطريق الأخير، أي الطريق المؤدي إلى سيناء. لكن مصر ترفض بشدة هذا الطرح. فهي لا تريد أن تكون في شكل من الأشكال شريكة في تصفية القضية الفلسطينية عبر تهجير السكان. كما أنها تخاف من أن يؤدي النزوح الفلسطيني صوب سيناء إلى زعزعة الأمن من جديد، بعدما أمضت السلطات المصرية سنوات في محاربة الجماعات الإرهابية التي تحصّنت في هذه المنطقة، ولا تريد خسارة كل الإنجازات التي حقّقتها مع وصول أكثر من مليون فلسطيني، مع قادة وعناصر من حركة “حماس” الإخوانية.

ولكن، ماذا سيحصل إذا جُنّ نتنياهو ونفّذ بالفعل اجتياحاً لرفح؟ هل ستطلق القوات المصرية النار مثلاً على مئات آلاف الفارّين من الموت وجحيم القصف والجوع؟

تواجه مصر هذا التهديد عبر طريقين: الأول هو اتخاذ إجراءات امنية على الحدود، حيث عزّزت وجود قواتها العسكرية بالآليات والدبابات، والثاني عبر التهديد بتعليق اتفاقية السلام الموقعة بين القاهرة وتل أبيب، والتي شكّلت فاتحة لعصر جديد من اتفاقات مماثلة، غيّرت وجه المنطقة منذ بداية الثمانينات من القرن المنصرم.

لكن المواقف شيء، والواقع على الأرض شيء آخر. فقد أظهرت صور بثّتها “مؤسسة سيناء لحقوق الإنسان” وأخرى التقطتها الأقمار الاصطناعية، أن هناك تغيّرات في منطقة من سيناء قرب الحدود تشكل مستطيلاً بمساحة 8 أميال مربّعة تقريباً، حيث تمّ مسح  جزء من الأرض وبناء جدار من الإسمنت حولها بارتفاع خمسة أمتار. وحسب الصور، فإنّ الجرّافات بدأت بالعمل في أوائل شباط، وتكثّفت الأشغال في الأيام الأخيرة. وأوردت “الواشنطن بوست” أنّ ميليْن مربعّين جرى مسحهما في الوقت الممتد بين 5 شباط و14 منه.

إلّا أن السلطات المصرية نفت ما نُشر عن بناء منطقة عازلة محاطة بأسوار في سيناء، وقالت إنّ ما يجري هو إعادة تقييم للأراضي التي تركها سكانها بسبب الحرب على الإرهاب. وكان الجيش المصري قد أعلن العام الماضي أنه يفرز أراضي لبناء تجمعات سكانية لأبناء سيناء بعد سنوات من نزوحهم من أراضيهم بسبب محاربة الإرهاب.

يشار إلى أنّ شريطاً حدودياً عازلاً داخل الأراضي الفلسطينية، طوله 14 كيلومترا، هو محور فيلادلفيا، يفصل بين غزة ومصر، ويمتدّ من البحر المتوسط شمالاً إلى معبر كرم أبو سالم جنوباً. وقد أُنشئ عليه معبر رفح الذي يمثل المنفذ الرئيسي لأهل غزة على العالم الخارجي.

ولكن على رغم كل الإشارات التي تدل على هجوم وشيك على رفح، يرى البعض أن التهديدات الإسرائيلية مجرد عملية ضغط لجعل “حماس” تخفّض من سقف شروطها في المفاوضات. ولكن ماذا إذا لم تفعل الحركة ذلك، وأصرّ نتنياهو على مخططه؟