خاص- “زواج المصلحة” في كنيسة مار مخايل
بالتزامن مع تذكار الموتى لدى الطوائف المسيحية قبل أيام، استذكر “التيار الوطني الحر” و”حزب الله” بتواضع وحذر شديدين اتفاق مار مخايل الذي أدخل بيروت، ولو بعد حين، في قائمة العواصم العربية الأربع المنضوية تحت لواء الجمهورية الإسلامية في إيران، التي تطبّق بالفعل أهم مبادئها بتصدير الثورة، على أمل إعادة عقارب الساعة الى الوراء واستعادة زمن الأمبراطورية الفارسية.
في 6 شباط 2006، وقّع رئيس “التيار الوطني الحر” في حينه الجنرال ميشال عون مذكّرة تفاهم مع الأمين العام ل”حزب الله” السيد حسن نصرالله في كنيسة مار مخايل، كان من أبرز نتاجها، على المديين القصير والمتوسط، تغطية التيار لسلاح “حزب الله” ودعمه في حروبه الخارجية والداخلية (حرب تموز 2006 وأحداث 7 أيار 2008) في مقابل تأمين الحزب مكاسب سلطوية داخلية للتيار، والتي كان أبرزها إيصال الجنرال عون رئيسًا الى قصر بعبدا في 31 تشرين الأول عام 2016، بعد فراغ رئاسي دام 29 شهرًا بسبب مقاطعة نواب 8 آذار 45 جلسة نيابية حتى نجحوا في إيصال مرشحهم الرئاسي الى قصر بعبدا. أما على المدى الأبعد، وهو الأهم استراتيجيًا بالنسبة ل”حزب الله”، فقد نجح الحزب على مدى ست سنوات من عهد الرئيس عون في إحكام سيطرته على ما تبقى من المؤسسات الشرعية في البلاد، وبات المتحكم الوحيد تقريبًا بمصير لبنان سياسيًا واقتصاديًا وعسكريًا، حتى انفرد مؤخرًا بقرار اعلان الحرب على اسرائيل في 8 تشرين الاول الماضي دعمًا لغزة، من دون الرجوع الى الحكومة أو مجلس النواب أو المكونات السياسية والطائفية المتنوّعة في لبنان.
مرّ تفاهم مار مخايل على مدى السنوات الماضية (ولا يزال) بكثير من الامتحانات والمطبّات، حتى خُّيّل للبعض في أكثر من أزمة بين الحزب والتيار أن هذا التفاهم تجاوزته الأحداث والتطورات الداخلية والخارجية، وبات لزوم ما لا يلزم بحكم الأمر الواقع، ولم يعد بالتالي على أحد الطرفين إلا أن يعلن وفاته بعدما وصل الى حال ميؤوس من علاجها. في المقابل، ثمة من اعتبر أن هذا التفاهم بمثابة “زواج ماروني” لا يفصله إلا الموت. وبالرغم من الخلافات “المصلحية” الآنية المترافقة مع انفعالات وحملات إعلامية عالية السقف، يعود الطرفان في كل مرّة الى منزل الزوجية ويحلان خلافاتهما بالحوار والنقاش والتنازلات المتبادلة.
إلا أن ما فات هؤلاء أن “الزواج الماروني” أيضًا لم يعد أبديًا بحكم الأمر الواقع المستند الى تطوّر المجتمع، وبات بالتالي قابلًا للفسخ، وإن في حالات محددة وشروط غير مسهّلة.
أما الصفة الحقيقية الواقعية التي تنطبق على تفاهم مار مخايل فهي “زواج المصلحة” الذي أثبتت الأبحاث أنه الأكثر ديمومة، لأنه يستمرّ طالما المصلحة المشتركة قائمة. ف”زواج المتعة” محدد سلفًا بمدة زمنية، والزواج الديني عند جميع الطوائف له شروط متفاوتة للفسخ أو البطلان، والزواج المدني قائم على القوانين الوضعية وقد يُفسخ في أي وقت وفقًا للقانون.. وحده زواج المصلحة هو الأقدر على الصمود والاستمرار في مواجهة الأنواء والعواصف طالما بقيت المصلحة تجمع الطرفين.
في حالة التيار والحزب ما تجمعه المصلحة لا يفرقه إنسان أو طرف سياسي: فبعد التراجع الشعبي الخطير الذي بلغه التيار في أعقاب عهد رئاسي هو الأسوأ في تاريخ لبنان، وبعد الانقسامات الداخلية الكبيرة التي يعاني منها، بات يدرك بما لا يدع مجالًا للشك أن وجوده على الساحة السياسية أصبح مرتبطًا حكمًا بتحالفه مع الحزب حتى يؤمن له رافعة شعبية انتخابية في الاستحقاقات المقبلة، على غرار ما حصل في الانتخابات الأخيرة.
كذلك هو “حزب الله” في هذا المجال. فهو سيكون مرغمًا على دعم التيار في اي استحقاق انتخابي، لانه إذا لم يفعل، ستكون القوى الوطنية السيادية وعلى رأسها القوات اللبنانية والكتائب اللبنانية في المناطق المسيحية، أول المستفيدين من خسارة التيار، وهو أمر لا يحبذه الحزب ولا يرضاه بالتأكيد.
صدق من قال إن في السياسة لا صديق دائم ولا عدو دائم، بل هناك مصلحة دائمة. وانطلاقًا من هذه المصلحة الدائمة، لا يقلقنّ أحد على مستقبل تفاهم مار مخايل، لأن عمره على ما يبدو طويل طويل.
والآن، وبعد كل ما اقترفت أيديهم من أخطاء وخطايا على مدى 18 عامًا من عمر “زواج المصلحة”، تحوّل “الذمّيون” الى جوقة من الندّابين المتباكين على حقوق المسيحيين التي أهدروها بجشعهم اللا محدود للمال والسلطة، متناسين أنهم باعوا المسيحيين وباعوا المسيح معهم بثلاثين من وزارة وإدارة وباخرة كهرباء وسدّ مثقوب.