خاص – متى تصبح عودة الحريري ممكنة؟
أعلن رئيس الحكومة السابق سعد الحريري في 24 كانون الثاني 2022 خروجه من العمل السياسي وتعليق نشاطات “تيار المستقبل”، وتالياً عدم خوضه الانتخابات النيابية. وأتى ذلك بعد أربع سنوات تقريباً على عملية احتجازه في السعودية وإجباره على إعلان استقالته، قبل أن يعود إلى لبنان بوساطة فرنسية، ويعلن تريّثه في تقديم الاستقالة. وقد استمر في ترؤس الحكومة حتى اندلاع ثورة 7 تشرين 2019، حيث أعلن استقالة حكومته بعد 12 يوماً على انطلاق الاحتجاجات الشعبية.
واليوم، ومع اقتراب الذكرى التاسعة عشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري في 14 من شباط الحالي، سرت شائعات وأخبار عن احتمال عودة سعد الحريري إلى الحياة السياسية، وهو ما سارعت مصادر في “تيار المستقبل” إلى نفيه. ولكن ذلك لا يحجب الاهتمام الكبير هذا العام بحضور الحريري إلى بيروت لزيارة ضريح والده، حيث يُتوقع أن يكون هناك حضور شعبي في انتظاره، وربما يُجري أيضاً بعض اللقاءات السياسية.
فهل هناك من أمر تغيّر على الساحة الإقليمية واللبنانية يسمح بعودة الحريري في توقيت معيّن؟ وما هي المعطيات التي يمكن فعلاً أن تجعل هذه العودة واقعيّة ومقبولة؟
مَن طلب من سعد الحريري التنحّي عن العمل السياسي، هو وحده القادر على إعادته إلى الساحة، وإلى رئاسة الحكومة أيضاً. وهذا الطرف هو السعودية بالطبع، وتحديدا هو قرار ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
فمنذ وصول ولي العهد السعودي الى السلطة في العام 2015 اتخذ قرار المواجهة مع ايران و”حزب الله”. وتشكّل في الوقت عينه التحالف العربي بقيادة السعودية الذي بدأ بتنفيذ ضربات ضد الحوثيين في اليمن، بعدما سيطروا على مدن عدة في البلاد.
وفي لبنان، سارت المملكة بخيار تحميل اللبنانيين المسؤولية عن عدم مواجهة الحزب. واعتبرت بالتحديد أن سعد الحريري عاجز عن الوقوف في وجه الحزب، أو هو لا يريد ذلك، بل يعمد إلى التحالف معه، حفاظاً على مصالحه ونفوذه.
ولكن المفاجأة كانت في العاشر من آذار 2023، عندما وقّعت السعودية وايران اتفاقاً في الصين ينصّ على وقف الصراع واستئناف العلاقات الدبلوماسية بين البلدين. وقرّر ولي العهد السعودي اتباع سياسة “صفر مشاكل” بهدف اطلاق مشروعه الاقتصادي الكبير. وبينما كانت المفاوضات المتعلقة بالتطبيع مع إسرائيل قد قطعت شوطاً كبيرا، جاءت عملية “طوفان الأقصى” في غزّة، لتغيّر المشهد برمّته في المنطقة.
والآن، بعد أربعة أشهر من الحرب في القطاع، بدأت الأمور تتّجه نحو العمل على تسوية، تشمل غزّة ولبنان وسوريا. ويجهد الرئيس جو بايدن للتوصل على الأقل إلى نقاط مشتركة قبل انتهاء ولايته آخر هذا العام وبدء حملته الانتخابية.
التسوية التي يعمل عليها الأميركيون بمؤازرة فرنسية وبريطانية، تقوم على حلول لغزّة تمتد على مراحل عدة، ولا بدّ من أن تتضمن إقامة دولة فلسطينية، ربما تكون منزوعة السلاح. أمّا في سوريا، فيجري الحديث عن احتمال حصول انسحاب اميركي وترك النفوذ للجانب الروسي الذي يعمل أيضاً على الحدّ من التحرّك الايراني. ويترافق ذلك مع دور كبير للسعودية يقوم على المشاركة في إعادة الإعمار، وصولا إلى التطبيع مع اسرائيل، وعودة دورها الفاعل في التسويات اللبنانية.
هذه التسوية ستكون ايران طرفاً فيها بالطبع. وقد لوحظت في الفترة الأخيرة عودة التقارب الايراني السعودي. وفي بيروت، التقى السفيران السعودي وليد البخاري والإيراني مجتبى أماني، في وقت تعمل الرياض ضمن اللجنة الخماسية المهتمة بمتابعة ملف انتخابات الرئاسة اللبنانية، ولها فيها دور أساسي. فالرياض اتّخذت أخيراً قرارها بالعودة إلى الانخراط في الملف اللبناني، بعدما اتّبعت سياسة “الحياد” لفترة طويلة.
وعندما تنضج الطبخة الرئاسية في لبنان، والتي ستأتي كنتيجة لتفاهم إقليمي، ستكون لكل من طهران والرياض كلمتهما في الإسم الذي سيتمّ التوافق عليه للرئاسة. ولوحظ في الفترة الأخيرة أن اسم رئيس الحكومة المقبل بدأ يُطرح للتداول أيضاً، على أساس تركيبة متكاملة تشمل رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة.
وعندما يعود التوافق الايراني السعودي بغطاء أميركي، ربّما لا يعود من مشكلة مع طرح اسم سعد الحريري، على أساس أن التركيبة تكون معدّة سلفاً وكذلك الأدوار. وحينها، قد يطرح “حزب الله” اسم الحريري الذي يشكّل وجوده على رأس الحكومة غطاء سنياً مريحاً، ولن تمانع الرياض في إعادة “ابنها الضال” إلى الساحة السياسية.