خاص – ربط لبنان بغزّة: الفدرلة في مواجهة السلاح؟

خاص – ربط لبنان بغزّة: الفدرلة في مواجهة السلاح؟

الكاتب: ايلين زغيب عيسى | المصدر: Beirut24
29 كانون الثاني 2024

مع بدء الأزمة الاقتصادية أواخر العام 2019، وما رافقها من انهيار شبكة الخدمات الحياتية والصحية والمصرفية، ودخول البلاد في عصر من الفقر المفاجئ واضمحلال المؤسّسات، أطلّت نزعات الاستقلالية والإدارة الذاتية، على قاعدة الصراع من أجل البقاء  وطبقاً لمعادلة أنّ الطبيعة لا تحتمل الفراغ. وبالفعل برزت أدوار جديدة للقوى المحلية والبلديات في تقديم الخدمات المختلفة للمواطنين.

واليوم، أضيف إلى الأزمة الاقتصادية التي لم تجد طريقها إلى الحل بعد، اندلاع الحرب في غزّة وتورط لبنان فيها عبر الاشتباك الحاصل في الجنوب، ما أدّى إلى ربط كلّ الوضع الداخلي بانتهاء الحرب في القطاع. وأصبحت الفئات اللبنانية المختلفة تشعر أن “حزب الله” الذي قرّر إشعال جبهة الجنوب وتعريض البلاد لاحتمالات حرب واسعة ومدمّرة، لم يسأل أحداً رأيه في هذا القرار. ولكن الآخرين سيكونون مضطرين إلى تحمّل تبعات أي حرب، كما حصل في العام 2006، عندما سقط مئات القتلى وتدمّرت البنية التحتية في البلد كلّه من شماله إلى جنوبه.

وبسبب فائض قوة السلاح، أصبح مصير البلد كلّه مرهوناً بما يقرّره الحزب والمحور الذي ينتمي إليه. وكلّما طالت حرب غزة، وطال أمد تورط لبنان في التصعيد، ازداد خطر اتساع الحرب، ورُبطت عملياً الأزمة السياسية اللبنانية، وحتى الأزمة الاقتصادية، بالوضع في غزّة. فملف الانتخابات الرئاسية المؤجل أصلاً، أصبح غير قابل للبحث ما دامت الحرب مستمرة. والوضع الاقتصادي الذي كان يُفترض أن تُتخذ بعض الخطوات في شأنه، أُدخل إلى الثلاجة، ما يهدّد بالعودة خطوات إلى الوراء وازدياد حدّة الانهيار من جديد.

من أحد الأسباب الأساسية التي منعت “حزب الله” حتى الآن من توسيع نطاق الحرب مع إسرائيل، هو عدم رغبته في زعزعة وضعه الداخلي، حيث يُحكم قبضته على السلطة ويستخدم نفوذه في خدمة المحور الذي تتزعمه إيران. فإنّ اندلاع حرب كبيرة على غرار العام 2006 قد يؤلّب أفرقاء لبنانيين عليه سيحمّلونه مسؤولية الضحايا والدمار. وقد ظهر ذلك بوضوح في الكلام الذي نقله البطريرك مار بشارة بطرس الراعي عن أهالي القرى المسيحية في الجنوب، حيث تحدث عن “حرب مرفوضة وانتصارات وهمية”. وربما يقرر بعض الأفرقاء الحزبيين أيضاً اتخاذ تدابير أحادية الجانب في مناطقهم، في ظل الفوضى القائمة بسبب الحرب وغياب مؤسسات الدولة.

ولطالما نادى المسيحيون على سبيل المثال بالفدرالية أو ما يشبهها من دولة لا مركزية، في مراحل الأزمات، في العام 1958 ثم خلال الحرب اللبنانية، فيما نشهد اليوم أيضاً مع الأزمة القائمة عودة الترويج للحلّ الفدرالي، الذي يمكن في نظر البعض أن يشكل حلاً لأزمة الحكم والنظام الطائفي.

وسبق تقريباً لكل رؤساء الأحزاب المسيحية الموجودة حالياً، أن دعوا إلى شكل من أشكال اللامركزية. فرئيس الجمهورية السابق ميشال عون طرح الفدرالية قبل أن يعود ويتراجع عنها. ورئيس التيار الوطني الحر النائب جبران باسيل قال بهذا الطرح أيضاً، واشترط مؤخراً إقرار اللامركزية الإدارية والمالية والصندوق الائتماني في مقابل الرئاسة. أما رئيس حزب الكتائب سامي الجميل فينادي باللامركزية الموسعة، وصولاً إلى المقابلة الأخيرة لرئيس حزب القوات اللبنانية سمير جعجع، والتي قال فيها بكل وضوح إن التركيبة اللبنانية في حاجة إلى تغيير، بشرط قبول الأطراف الأخرى. وأكد أنه لا يخشى من مؤتمر تأسيسي قد تُطرح فيه المثالثة، لأن لديه هو أيضا ما سيطالب به. حتى أنه تحدّث عن ان القوات ستفعل شيئاً في وقت قريب في خصوص موضوع الكهرباء، لأن الدولة لم تؤمّنها حتى الآن. وتوسّع الكلام إلى طرح حلول للأزمة الاقتصادية وكيفية إعادة أموال المودعين.

فهل موضوع اللامركزية أو الفدرالية قابل للتطبيق الآن، أم أن الحديث عنه هو مجرد رسالة لـ “حزب الله”؟

بالطبع، يحتاج تغيير النظام إلى موافقة كل الأطراف. ولكن إذا ما فُتح النقاش يوماً حول هذا الموضوع، يجب أن يكون هناك توازن قوى في الحدّ الأدنى بين الأطراف المتحاورة. فهل يمكن للمسيحيين فعلاً أن يناقشوا في نظام جديد للبنان، فيما الحزب هو الطرف المهيمن في البلاد؟ وأي حوار أو نقاش ليس فيه تعادل نسبي في موازين القوى، يكون نقاشاً بلا هدف، ولا يوصل إلى أي مكان.

في الواقع، هناك حركة جارية اليوم في محاولة لإنشاء جبهة تضمّ القوات اللبنانية وحزب الكتائب وبعض التغييريين. ولكن هذا يبقى غير كافٍ، فيما التيار الوطني الحرّ يقف في محور آخر. أمّا السنّة فقد أصبح دورهم مهمّشاً بعد ابتعاد سعد الحريري عن الحياة السياسية، فيما يتنقّل وليد جنبلاط في مواقفه من ضفّة إلى أخرى، محاولاً البقاء مع الطرف الرابح.

عندما تنتهي الحرب في غزة، ثم في لبنان، سواء بتسوية سياسية أو من دون تسوية، سيعود الحزب إلى الداخل، لترجمة نتائج الحرب في الملفات السياسية اللبنانية، وفي طليعتها الانتخابات الرئاسية. ومن الآن وحتى ظهور حسابات الربح والخسارة في الصراع القائم من غزة إلى لبنان والبحر الأحمر فإيران، لن تتضح الاتجاهات في الداخل. ولكن نهاية الحرب الحالية ستكون مدخلاً لمتغيرات كثيرة في المنطقة، لا بدّ أن تشمل لبنان. وعندها ربّما تطرح إعادة النظر في التركيبة اللبنانية ويوضع مصير سلاح “حزب الله” على الطاولة.