“تطيير” شعبان: قرار “حلبي” بنكهة “جنبلاطية”
ماذا يحصل مع رئيسة دائرة الامتحانات الرسمية أمل شعبان؟ لماذا أوقفها الوزير عباس الحلبي عن العمل ما دام القضاء لم يُدنها بعد؟
هل تشكّل قضيّتها بوّابة خلاف سياسي بين الحزب التقدّمي الاشتراكي وتيّار المستقبل؟ هل من جهة سياسية داخلية وخارجية تضغط باتجاه إبعاد شعبان من طريق الشهادات اللبنانية الممنوحة لبعض العراقيين؟
أسئلة تزاحمت ليجيب عنها أحد المحامين في هيئة الدفاع عن شعبان بالقول: “إذا أردت أن تعرف ما يحصل في وزارة التربية ببيروت عليك أن تعرف ماذا يحصل بوزارة التعليم في بغداد؟”.
مصادر خاصّة بـ”أساس” أشارت إلى أنّ “قرار وزير التربية جاء بطلب من مرجعيته وليد جنبلاط الذي أبدى انزعاجه من الطريقة الاستعراضية التي جرت لعملية إطلاق سراح شعبان”.
وأضافت المصادر أنّ “الرئيس نجيب ميقاتي اتّصل بوزير التربية عباس حلبي لمعالجة الأمر، فطلب منه الأخير حلّ المسألة مع جنبلاط”.
وختمت المصادر أنّ “ربيع اللبان الذي عُيّن بديلاً لشعبان قريب من حركة أمل”.
لا يُمكن إبعاد العامل السياسي عن ملفّ أمل شعبان، المرأة التي يصفها زملاؤها في الوزارة بـ”المرأة الحديدية”، التي بقيت عصيّة حتى الساعة الأخيرة على الخضوع للضغوط السياسية لإقناعها بتغيير سلوكها في مقاربة المعاملات الخاصة بمعادلة شهادات الطلاب العراقيين، وتمريرها من خارج القنوات القانونية التي تستدعي التدقيق فيها قبل معادلتها، لكنّ ما عجزت عنه جهات نافذة داخليّاً وخارجيّاً حقّقه وزير التربية بشحطة قلم بإقصاء هذه الموظفة عن المنصبين المذكورين من دون تعليل قراره بأسباب موجبة، الأمر الذي رأى فيه موظفون كبار في الوزارة ترجمة لتحذيرات كانت وصلت إلى الوزارة بـ “تطيير” أمل شعبان بأيّ ثمن.
ثمّة ما يُثير الاستغراب في قرار الوزير الذي ناقض سلوكه مع شعبان منذ لحظة توقيفها حتى الإفراج عنها، إذ يؤكّد موظفون في وزارة التربية لـ “أساس” أنّ “الحلبي كان ممتعضاً من طريقة استدعاء شعبان للتحقيق معها أمام النائب العامّ المالي القاضي علي إبراهيم وتوقيفها على وجه السرعة قبل الحصول على إذن منه (من الوزير)”، مشيرين إلى أنّ “الحلبي كان مقتنعاً ببراءة شعبان ومرتاحاً لقرار الإفراج عنها، وهذا ما ترجمه بتصرّفه، إذ كان أوّل المتّصلين بها فور مغادرتها السجن لتهنئتها بالسلامة، وطلب منها العودة إلى عملها، حتى إنّه لدى مغادرتها سجن بربر الخازن توجّهت إلى الوزارة وانضمّت إلى اجتماع موسّع في مكتب الوزير بناء على طلب الأخير، الذي تمنّى عليها استئناف عملها فوراً بتفعيل عمل لجنة المعادلات الذي تعثّر إثر توقيفها وبدء التحضير للامتحانات الرسمية”.
القرار الذي تخطّى إطاره الإداري والعملي اكتسب بُعداً سياسياً، بدليل زيارة وفد من الحزب التقدّمي الاشتراكي الوزير الحلبي في مكتبه في الوزارة وخروجه بموقف رفض فيه ما سمّاه “حملات التظلّم والظلم والافتراء على صلاحيات الوزير في إدارة شؤون الوزارة بالطرق المناسبة”، ودعا إلى “ترك القضاء يأخذ مجراه في القضايا المثارة أمامه بما يتعلّق بوزارة التربية أو سواها”، وبدا واضحاً أنّ تحرّك “الاشتراكي” جاء ردّاً على الهجوم الذي شنّه تيار المستقبل على وزير التربية و”مرجعيّته”، إذ اعتبر أنّ “رسالة الظلم بحقّ أمل شعبان وصلت ممهورة بتوقيع وزير التربية عباس حلبي وبتغطية صريحة من مرجعيّته السياسية”، وقال البيان: “خاب الظنّ بالوزير الذي ارتضى أن يكون مع مرجعيته السياسية وللأسف في موقع التشفّي من أمل شعبان وفي خانة طعن وزارة التربية وكلّ موظف نزيه وشريف ومشهود له بالكفاءة فيها، وفي خدمة من أرادوا منذ بداية تلفيق الاتّهامات بحقّها النيل منها لإزاحتها من موقعها”.
لا يبدو أنّ الفريق القانوني الخاصّ بأمل شعبان سيقف مكتوفاً أمام قرار إقصائها، وعلم “أساس” من مصادر الفريق بأنّ الأخير يبحث خيارات مواجهة قرار وزير التربية بالوسائل القانونية المتاحة، وأكّدت المصادر “العمل على أربع جبهات، الأولى تقديم “مذكّرة ربط نزاع” إلى وزارة التربية لإعلامها بوجود مخالفة في قرار الوزير، والثانية تقديم طعن أمام مجلس شورى الدولة لإبطال قرار الوزير الذي ينطوي على مخالفات جسيمة، والثالثة مواكبة التحقيق القضائي المفتوح أمام قاضي التحقيق في بيروت أسعد بيرم لتثبيت براءة أمل شعبان ومنع المحاكمة عنها، والجبهة الرابعة هي العمل على كشف خبايا المؤامرة التي حيكت ضدّ أمل منذ أشهر عبر وسائل إعلام معروفة الانتماء والأهداف ووضعها بمتناول الرأي العام اللبناني”، وأضافت أنّ “شعبان (موظفة درجة ثالثة) المعيّنة أصيلة كأمينة سرّ لجنة المعادلات ومكلّفة كرئيسة دائرة الامتحانات الرسمية، لو لم تكن واثقة من براءتها لما تقدّمت بطلب، يوم إطلاق سراحها وفور وصولها إلى وزارة التربية، لتشكيل لجنة تحقيق في الوزارة، لجلاء الحقيقة والتأكّد من أنّ كلّ التهم التي وُجّهت إليها كانت محض افتراء”.
شرحت مصادر قانونية لـ “أساس” أنّ وزير التربية خالف القانون وأخطأ بقراره المتّخذ من ثلاث نواحٍ: “لا يوجد سبب وجيه يحمله على اتخاذ مثل هذا القرار. لم ينتظر صدور القرار الظنّي عن القاضي أسعد بيرم، وهناك قرار بإخلاء سبيل بحقّ شعبان صادقت عليه الهيئة الاتّهامية، وهي محكمة استئناف مؤلّفة من ثلاثة قضاة، وذهب إلى محاسبتها من دون الأخذ بعين الاعتبار قرينة البراءة التي تكون دائماً لمصلحة المتّهم أو المدّعى عليه”.
شدّدت المصادر على أنّ “الهدف من كلّ ما حصل في قضية أمل شعبان كان تطييرها من مركزها، لأنّها كانت تقف حجر عثرة في وجه الفساد والفاسدين في ما يتعلّق بتمرير معادلات لأشخاص من دون التدقيق بها أو تمريرها بإطارها القانوني”.
أمّا المطّلعون على موقف وزير التربية فعلّلوا قراره المتّخذ بحقّ أمينة سرّ لجنة المعادلات، “بوجود ملفّ قضائي ما زال عالقاً يشمل أمل شعبان”، ورأى هؤلاء أنّ “توقيفها لأكثر من عشرين يوماً يعتبر فترة محرجة للوزير الذي آثر اتّخاذ مثل هذا القرار”.
كان وزير التربية والتعليم العالي عباس حلبي أصدر مذكّرتين إداريّتين كلّف بموجب الأولى مهامّ رئاسة دائرة الامتحانات الرسمية في المديرية العامة للتربية لأستاذ التعليم الثانوي ربيع خالد اللبان، وأمّا في المذكّرة الثانية فكلّف أمانة سرّ لجنة المعادلات في المديرية العامة للتربية لأستاذة التعليم الثانوي سهى نايف طربيه من الطائفة الدرزية، وذلك بصورة مؤقّتة إلى حين اتّخاذ أيّ تدبير مخالف لهذه الناحية.