خاص – لماذا فشلت مهمّة بلينكن في إسرائيل؟
لم تتوقف الاتصالات الأميركية الإسرائيلية، في محاولة من واشنطن لضبط الحرب والبحث عن مخرج سياسي، على رغم الفشل الذي مُنيت به مهمة وزير الخارجية الأميركي أنطوني بلينكن الأخيرة في إسرائيل.
فالوزير الأميركي الذي كان يحمل حلاً متكاملاً، عاد فقلّص طموحاته إلى نقاط جزئية. ومع ذلك لم يوفَّق في انتزاع الموافقة الإسرائيلية على ثلاثة بنود، تتناول: الانتقال إلى مرحلة العمليات الموضعية في غزّة، متابعة المفاوضات لإطلاق الرهائن لدى “حماس” وتخفيف التصعيد مع جنوب لبنان.
واستناداً إلى تقارير مراكز دراسات في العاصمة واشنطن، فإنّ تعثّر مهمة بلينكن يعود لأسباب عدة، منها: الخلافات داخل الحكومة الإسرائيلية حول أولوية استمرار القتال أو استعادة الرهائن، والتباين في وجهات النظر مع الإدارة الأميركية حول تدابير آنية تتعلق بتخفيف الضربات في غزة والسماح بإدخال المزيد من المساعدات، إضافة إلى الصيغ المرسومة لـ “اليوم التالي”، والتي تتضمّن الحل السياسي ومستقبل القطاع.
لم يستطع بلينكن في زيارته الأخيرة لإسرائيل معرفة الطريق الذي تريد الحكومة في تل أبيب إتباعه لتحرير الرهائن. إذ يعتبر كلّ من غادي أيزنكوت وبيني غانتس اللذين دخلا إلى حكومة الحرب بعد عملية “طوفان الأقصى” (الإثنان رئيسا أركان في الجيش سابقاً)، أن الأولوية يجب أن تكون لتحرير الرهائن، حتّى لو تطلّب الأمر أقرار هدنة طويلة الأمد، بينما يرفض نتنياهو وآخرون معه وقف القتال ويؤكدون وجوب الاستمرار فيه حتى “تحقيق الأهداف”.
أمّا غانتس مؤسس حزب “الوحدة الوطنية” الوسطي الذي تشير استطلاعات الرأي إلى اتساع التأييد له، فبدأ يشكل منافساً حقيقياً لنتنياهو الذي تتراجع نسبة مؤيديه بين الناخبين الإسرائيليين. وربّما يفكر غانتس بتقديم استقالته من الحكومة تمهيداً لخوض انتخابات مبكرة عندما يحين أوانها. حتّى أنّ “حماس” نفسها قد لا توافق على هدنة قصيرة، وهي تطالب بوقف نار دائم قبل عملية تبادل الأسرى.
وما جعل مهمة بلينكن الأخيرة تصل إلى الحائط المسدود أيضاً، هو اشتداد الخلاف الأميركي الإسرائيلي. فنتنياهو لا يلتزم بأي مطالب تقدمها الإدارة الأميركية، ويمضي في الحرب غير آبهٍ برأي واشنطن، حتى في الأمور غير الاستراتيجية، مثل تحويل كامل عائدات الضرائب للسلطة الفلسطينية وزيادة المساعدات للقطاع والامتناع عن القصف بالقرب من المخيمات جنوب غزّة.
وعلى رغم أنّ اتصالا جرى بين بايدن ونتنياهو في 19 الشهر الجاري، كان الأول منذ شهر بعد الاتصال الذي اضطر فيه الرئيس الأميركي إلى إنهاء المكالمة، فإنّ أي تقدم على صعيد مضي إسرائيل في البحث في ما سيكون عليه “اليوم التالي” لم يحصل.
وقد أفهم رئيس الوزراء الإسرائيلي وزير الخارجية الأميركي رفضه منح السلطة الفلسطينية أي دور في إدارة القطاع بعد انتهاء الحرب، كما يرفض بالطبع حلّ الدولتين. ولم يقدم أي حل بديل، سوى استمرار الحرب التي قد تطول حتى العام المقبل، كما قال.
وتشير التقارير الأميركية إلى إنّ بلينكن الذي زار السعودية ودولاً عربية أخرى خلال جولته الأخيرة، نقل عدم الممانعة في استكمال عملية التطبيع التي كانت جارية قبل هجوم 7 تشرين الأول، بشرط وقف الحرب أولاً، ثمّ التوافق على حلّ الدولتين. ومن ضمن هذا المسار، يمكن للدول العربية والخليجية المساهمة في إعادة الإعمار وتقديم ضمانات في الموضوع الأمني. ولكن الجانب الإسرائيلي اعتبر أنّ الضمانات الإقليمية لا معنى لها، وأنّ الالتزام العربي قد يتراجع مع الوقت، خصوصاً إذا ظلت “حماس” قادرة على التفوق على السلطة الفلسطينية.
أمّا في خصوص الجبهة مع لبنان، فهناك أيضاً تباين على مستوى القيادتين العسكرية والسياسية في إسرائيل بين من يطالب بشنّ حرب واسعة على “حزب الله”، ومن يؤيّد الإبقاء على المستوى الحالي من الاشتباك وعدم التورط في حرب كبيرة.
كما أنّ الجانب اللبناني طالب بانسحاب إسرائيل من مزارع شبعا ضمن الطرح الذي يحمله الجانب الأميركي لترسيم الحدود، ما أدى إلى توقف الاتصالات، لكون المزارع منطقة متنازعاً عليها مع سوريا. وقد شهد الجنوب بعد ذلك تصعيداّ للقصف والعمليات وقيام إسرائيل بتنفيذ اغتيالات ضد مسؤولين في الحزب.
ولكن هذه الصورة لا تعني انتهاء الوساطات. فمن المحتمل أن يصل موفد أميركي إلى المنطقة، ربما يكون آموس هوكشتاين، لاستكمال الجهود والبحث في امكان وقف الحرب. فتمكّن الإدارة الأميركية من لجم الحرب في غزّة سيكون له تأثيرات ايجابية على حملة بايدن الانتخابية، بينما إنهاء الحرب سيطيح حتماّ بنتنياهو. فأيّ المصلحتين ستعلو على الأخرى؟