خاص – “الحزب” يرفع ثمن التفاوض
من يراقب تطوّر خطابات الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله منذ اندلاع الحرب على غزّة، يلاحظ تدرّجاً مدروساً في مواقفه، يمكن تقسيمه إلى أربع مراحل.
1- الكلمة الأولى التي ألقاها أتت بعد شهر تقريباً على عملية “طوفان الأقصى”. وكان فحواها أن الحزب لن ينخرط في الحرب، وسيبقي مشاركته محدودة النطاق.
2- بعد أيام، خرج نصر الله ليؤكد أن الكلمة الآن للميدان، بما يعني أنه ينتظر تطوّرات المعارك على الارض، ليبني على الشيء مقتضاه.
3- أما الكلمة التي ألقاها في بداية الشهر الحالي، فرفعت من مستوى الخطاب إلى مرحلة الإيحاء بقبوله البحث في الخطة الأميركية للتهدئة بين لبنان وإسرائيل، حين قال إن هناك فرصة تاريخية للبنان لتحرير أراضيه، فاتحاً باب التفاوض حول صيغة للحل.
4- في خطابه الأخير قبل أيام، رفع نصر الله لهجة التحدّي، معتبراً أن إسرائيل فشلت في غزّة. وإذ أبدى الاستعداد لخوض الحرب، أكّد أن إسرائيل هي التي تخشاها الآن.
إذاً، كيف يمكن القراءة في الخطّ البياني لتطوّر لهجة الأمين العام للحزب بعد مئة يوم من الحرب في غزّة؟
عندما انطلق الردّ الإسرائيليّ الصاعق على عملية “طوفان الأقصى”، وشُنّت الغارات على القطاع مخلّفة القتل والتدمير في شكل أعمى وشرس جداً، التزم نصر الله الصمت طوال شهر كامل، ليخرج بعده معلناً أن الحزب لن ينخرط في حرب واسعة، إنما سيكتفي في هذه المرحلة بعمليات المشاغلة المحدودة على الحدود الجنوبية. حتّى أن الأمين العام للحزب أكّد انه لم يعرف مسبقاً بالعملية التي نفّذتها حركة “حماس”.
لم يكن الحزب ولا إيران يريدان الانخراط في حرب واسعة. ففضّلا الانتظار ومراقبة ما ستؤول إليه المعارك، وكيف سيميل ميزان القوّة، وما إذا كان في قدرة “حماس” أن تصمد. وتبعاَ لتطورات الميدان، تُتّخذ الخطوات اللاحقة.
ولمّا بدأ الموفد الأميركي آموس هوكشتاين يطرح صيغة تقوم على ترسيم الحدود في مقابل انسحاب الحزب إلى ما وراء الليطاني، أعطى نصر الله إشارة الاستعداد للبحث في الموضوع، ولكن بعد وقف النار في غزّة.
ولمناسبة مرور مئة يوم على الحرب، صعّد نصر الله من لهجة خطابه، في ما يوحي بأنه يرفع الثمن في عملية التفاوض المقبلة، بعدما شعر أن إسرائيل بدأت تفشل في الميدان، ولم تحقّق أياً من الأهداف التي حددتها، سواء في القضاء على “حماس” أو في تحرير الرهائن.
وعلى هذه الخلفية، تمّ إبلاغ هوكشتاين في زيارته الأخيرة لبيروت أن فصل المسار بين لبنان وغزّة غير وارد. وتم هذه التبليغ على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي شخصياً، حين أكد في جلسة مجلس الوزراء الأخيرة أنّ “التهدئة في لبنان غير منطقية من دون وقف إطلاق النار في غزّة”. وغادر الموفد الأميركي من دون أن يحصل على أيّ جواب على اقتراحاته سوى وجوب العمل لوقف الحرب في غزّة أوّلاً.
ولكن هذا لا يعني أنّ الباب قد اُقفل على البحث في الحلول الدبلوماسية. ويقرأ سياسيون هذا الموقف من زاوية رفع “حزب الله” للثمن الذي يطلبه حين تنطلق المفاوضات. فالحزب إذ يرى أن إسرائيل باتت تتخبّط في كيفية الخروج من “مستنقع غزّة”، يعتبر أن في إمكانه أن يحصد المزيد من المكاسب عندما تحين ساعة الحلّ السياسي، التي ستأتي عاجلاً أم آجلاً.
أمّا إسرائيل التي استنفدت زخم قوّتها في غزّة، فلم يعد أمامها سوى الانتقال إلى المرحلة الثالثة الأقلّ عنفاً. وهذه المرحلة قد تسمح بهدنة، وتفتح الطريق أمام البحث في “اليوم التالي” الذي تطالب واشنطن تلّ أبيب بالبحث فيه، وهي لم تفعل حتّى الآن بسبب رفض بنيامين نتنياهو ووزرائه اليمينيّين المصرّين على استمرار الحرب.
إذاً، أثبتت معادلة الردع المتبادل بين إسرائيل والحزب فاعليتها. فلا إسرائيل قادرة على الانتصار إذا شنّت حرباً على لبنان، ولا الحزب يريد التورط في حرب تهدد مكاسبه الداخلية الحالية والمستقبلية.
يبدو أن الدخول في المسار السياسي صار شبه حتمي. وهو ينتظر إطاحة نتنياهو أو تنحّيه، خصوصاً مع تزايد المطالبات في الداخل باستقالته، ومع اشتداد الخلاف بينه وبين الرئيس جو بايدن.